التاريخ به مؤامرات
ربما أتفق مع الدكتور عبد الله جمعه الحاج فيما ذهب إليه خلال مقاله ''العقل العربي ونظرية المؤامرة''، (الاتحاد، السبت 14 يناير 2006)، من أن وهم المؤامرة قد يتحول إلى داء معيق إذا ما سيطر على ذهنية المجتمع، لكني لا أقره فيما يتعلق بموقفه الذي ينفي مطلقا أي وجود للمؤامرة! وكما نفهم من مقاله، فالكاتب ينفي أن يكون الغرب قد مارس التآمر في أي حالة ضد الشعوب العربية، بل يرى ضمنا أن ما تعانيه هذه الشعوب من تخلف وتأخر يعود في مجمله إلى أسباب ذاتية، ثقافية واجتماعية بالدرجة الأولى، وليس للغرب مسؤولية فيه!
إلا أن المشكلة تبدو هنا في كوني لن أضيف جديدا إلى النقاش الطويل الذي لم ينقطع في ساحتنا العربية طوال السنوات الأربعين الماضية، حول ''نظرية المؤامرة'' كتعبير تم صكه للإشارة بازدراء إلى من يلقون باللوم على الغرب في نكسات التاريخ العربي المعاصر، أو بعضها تحديدا، إذ سجل ذلك النقاش كامل طاقته الاستيعابية للحجج على جانبيه، ولم يبق فيه قول لقائل!
ورغم ذلك أريد أن أسجل هنا أن التعبير نفسه (نظرية المؤامرة) ليس متسقا من الناحية المنطقية مع معايير النظرية كما تقررها مناهج العلوم· إضافة إلى أن نفي المؤامرة، وهي سلوك مناف للأخلاق ولقيم الوفاء والصدق، يفترض القول ضرورة بطيبة الطبيعة البشرية وطابعها السوي على مدى التاريخ! والحقيقة أن التاريخ لا يخلو في أغلبه من مؤامرات ودسائس وحروب واعتداءات ومحاولات للقهر والسيطرة وصفقات في الظلام وحبائل أبدعها طرف للإيقاع بطرف آخر··· وليس تاريخ الاستعمار الغربي الذي احتل الجزء الأكبر من البلاد الإسلامية طوال قرنين من الزمن، استثناء من تلك الحقيقة البديهية والبينة· وإذا لم يكن الأمر كذلك، فبماذا إذن يمكن أن نصف اتفاقية سايكس- بيكو، أو وعد بلفور؟ أو قرار التقسيم؟··· وذلك حتى لا أذكر الأحداث والوقائع الأخرى القريبة زمنيا وذات الصلة بجيلنا الحالي؟
على كل حال يمكن لأي منا أن ينفي وجود المؤامرة، وأن يؤكد على العلاقة الحميمة بين الشرق والغرب، مبرزا ما شاء من مشتركات إنسانية عظيمة، وذلك لدواع سياسية مفهومة ويمكن أن نعذر فيها بعضنا بعضا، ولكن ليس وفق ادعاءات علمية وتاريخية وعقلانية··· بلا أساس!
نهاد جابر- مونتريال