على الرغم من أن النخبة السياسية في هولندا لم تكن تقصد ذلك·· فإن التصويت المقرر إجراؤه في فبراير القادم في برلمانها على مشاركة قواتها في مهمة ''الناتو'' في أفغانستان، قد تحول إلى نزاع على شخصية، ومستقبل ''الناتو''، بل ومن الممكن أن يتحول إلى نزاع على مستقبل أفغانستان أيضا·
والموضوع المباشر في هذا الصدد هو ما إذا كان الجنود الهولنديون المتوقع أن يصلوا إلى 1,100 جندي، سيحاربون قوات ''طالبان'' إذا ما اصطدموا بها، وما إذا كان سيتم نشرهم في مواقع قد يقابلون فيها هذه القوات·
ومن المعروف أنه سيتم نشر القوات الهولندية في المنطقة الجنوبية من أفغانستان وهي منطقة ليست هادئة، وأن القوات الأميركية التي ستغادر تلك المنطقة، والمتوقع أن تحل محلها القوات الهولندية، قامت بمهام قتالية هناك· ونظراً لأن هناك حاجة إلى 6000 جندي من قوات ''الناتو'' كي تحل محل القوات المقاتلة الأميركية والتي كان يبلغ قوامها 4000 جندي، فإن الأيام القليلة الأخيرة شهدت مناشدات ملحة من السكرتير العام للناتو ''جاب دي شيفر'' للبرلمان الهولندي كي يقوم بالموافقة على إرسال هذه القوات إلى أفغانستان· ويذكر في هذا الصدد أن ''بول بريمر'' سكرتير الولايات المتحدة السابق في لاهاي وهو نفسه كبير المسؤولين الأميركيين الإداريين السابق في العراق، قد أضاف تحذيراً الأحد الماضي، قال فيه إنه إذا ما أخفق البرلمان الهولندي في الموافقة على مهمة الناتو ''فإن ذلك سيعود بالضرر على المصالح الهولندية في الولايات المتحدة'' وهو تحذير وصفته مصادر هولندية بأنه ''غريب''·
وكانت موافقة ''الناتو'' المبدئية على الذهاب إلى أفغانستان قد مثلت خطوة مثيرة للجدل لسببين هما: الأول أن ذلك كان سبباً في أخذ الحلف بعيداً عن أوروبا لتنفيذ مهام ''خارج المنطقة''، ولأن تلك الموافقة اعتبرت وكأنها نوع من أنواع ''تقديم الدعم بعد العمليات'' للقوات الأميركية التي قامت بغزو أفغانستان وإسقاط نظام ''طالبان''· وتدعي الإدارة الأميركية أن وجود ''الناتو'' في أفغانستان يحقق المصلحة المشتركة (مصلحة أميركا ومصلحة أوروبا في الوقت ذاته)· ويذكر في هذا الصدد أن ''فيكتوريا نالاند'' السفيرة الأميركية لدى ''الناتو''، قد نشرت في هذا السياق مقالاً قالت فيه إن مهمة الحلف سوف ''تمتد لتغطي كافة أرجاء كوكبنا··· وأنه سيكون في الخط الأمامي في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين''· وقالت السفيرة أيضا ''إن الحلف يجب أن يكون في المستقبل هو المكان الذي تتم فيه مناقشة، والتحاور حول، جميع المشكلات التي تمس الأمن بما في ذلك الشرق الأوسط وكوريا الشمالية والصين''·
ودعم ''الناتو'' لما يعرف بـ''قوة المساعدة الأمنية الدولية'' في أفغانستان يطرح سؤالا آخر: ما هي الفائدة العملية المتوخاة من مثل هذه القوة، في حين أن الوحدات المكونة لها والمنتمية إلى دول مختلفة، تتبنى عقائد قتالية مختلفة، ولها تفويضات مختلفة ولها ''محاذيرها'' الوطنية فيما يمكنها أو ما لا يمكنها القيام به·
فبالنسبة لكل قوة من تلك القوات بما فيها الأميركية، فإن الأولوية القصوى هي أمنها الخاص، كما أن لكل قوة منها فكرتها الخاصة عن كيفية تنفيذ مهمة ''الناتو''·
وكل ذلك محمل بحمولات ثقيلة من النفاق الوطني، الذي ترتب عن الصدع الذي حدث في مجال السياسة الخارجية بين إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الأميركية وبين الجزء الأكبر من الرأي العام الأوروبي، حتى في الدول التي كانت مؤيدة تقليديا لحلف شمال الأطلسي مثل هولندا وألمانيا بالطبع· ونظرا لأن ''الناتو'' كان قد أُنشئ للدفاع عن أوروبا في وجه روسيا، فإن المحاولات الرامية لتحويله إلى قوة مكملة للاستراتيجية الأميركية العالمية تعد محاولات معقولة بما فيها الكفاية من وجهة النظر الأميركية· كما أنها تعد أمراً مرغوبا بالنسبة للعديد من الدول المؤيدة للحلف لأنه يساهم في المحافظة على صلاتها الخاصة بواشنطن·
والمشكلة تكمن في الرأي العام في تلك البلدان· فحرب العراق لم تكن مستساغة بالنسبة لقطاعات عريضة من الرأي العام في أوروبا حتى في البلدان التي قررت حكوماتها نشر قوات للمشاركة في التحالف الذي قام بالغزو· ولعل هذا تحديداً هو السبب الذي جعل هذا التحالف يتحلل تدريجياً نتيجة الضغوط المتزايدة للرأي العام في تلك الدول·
ويعتقد على نطاق واسع سواء في أفغانستان أو في المنطقة عموماً، أن عمليات ''الناتو'' في أفغانستان ليست سوى مقدمة لانسحاب أميركي· وسبب هذا الانسحاب من ناحية هو أن الولايات المتحدة ترى أن العراق يمثل خطراً أكثر إلحاحاً، كما أن البحث المستمر وغير الناجح في نفس الوقت على أسامة بن لادن في أفغانستان يؤدي إلى توليد المزيد من النقد للقوات المسلحة في الصحف الأميركية· كما أنه من المرغوب فيه أن تبقى بعض القوات في أفغانستان خلال السنوات القليلة القادمة، خصوصاً إذا ما تذكرنا في هذا السياق أنه بعد أن تم سحب القوات السوفييتية عام ،1989 قامت القوات الأميركية التي ساعدت القوات الم