الأصل في الأشياء أن ممارسات بعض شركات القطاع الخاص في علاقتها بالعمالة الوافدة تنضوي تحت بند ''التجاوز'' القانوني غير المطلوب لكونه مسيئا لصورة الدولة وللاستقرار الداخلي، وأيضا لما تسبّبه هذه التجاوزات أحيانا من إضرار بعلاقات الدولة بالدولة المصدّرة لتلك العمالة، ولكن بعض الشركات تجاوزت هذا ''التجاوز'' وانتقلت إلى مرحلة أكثر خطورة في تعاملها مع الاحتجاجات العمالية الناجمة عن المماطلة في صرف الرواتب وغير ذلك بأن تركت لموظفيها الحبل على الغارب في التعامل مع المحتجين، وما كان بالتالي إلا أن أخذت العلاقة شكل ''البلطجة'' والتخويف بعد تعدّي موظفي إحدى الشركات بالضرب على عمال احتجوا على عدم صرف رواتبهم، حسبما نشرت إحدى الصحف المحلية الصادرة بالإنجليزية مؤخرا!
مثل هذه الممارسات السلبية قد تبدو بسيطة في نظر مرتكبيها ولكنها في حقيقة الأمر بالغة الخطورة على مستويات عدة: أولها أن هذه الممارسات قد تبعث إلى العمالة الوافدة بإشارات خاطئة حول غياب القانون أو امتلاك بعض الأطراف القدرة على ''تغييبه'' والانزلاق إلى الفوضى وتلك مسألة نعتقد أنها بالغة الخطورة والتأثير في آن واحد لأن أي رسالة تصبّ في اتجاه تكريس مبدأ إعلاء القوة في العلاقات العمالية تعني بالضرورة الفوضى الأمنية والمجتمعية وتنسف أي خطوات تسعى الدولة إلى تنفيذها وصولا إلى التخلّص من الممارسات السلبية التي تشوّه سوق العمل المحلية·
هذه الواقعة تحديدا تنطوي على رمزية استثنائية بالغة الدلالة لا ينبغي تفويتها أو التهوين منها، لأن الصمت عليها يمكن أن يفسر كضوء أخضر لتكرارها سواء من جانب الفاعلين ذاتهم أو فاعلين آخرين في شركات أخرى وفي مواقف مغايرة، ما يضفي بالتبعية مزيدا من التعقيد والتشابك على ملف الاحتجاجات العمالية، كما قد يوغر صدور المعتدى عليهم ضد المجتمع على اعتبار أن الصمت قد يفسّر بشكل خاطئ باعتباره خطا رسميا وهذا أمر غير صحيح بالمرة·
التأثيرات السلبية العديدة داخليا وخارجيا لمثل هكذا ممارسات معروفة للجميع ولا داعي لاجترار الحديث عنها، ولكن الواضح أن غياب آليات الردع القانونية الفاعلة ضد الشركات التي تماطل في صرف رواتب العمال، هذا الغياب بات بمنزلة رسالة تشجيع تشجع بعض شركات القطاع الخاص على مواصله نهجها السلبي تحت مسمّيات ووسائل وحجج مختلفة، كما يلاحظ أن التركيز الإعلامي على رصد هذه الظاهرة بات يشجع بالمقابل العمالة على تصعيد احتجاجاتهم وتوصيل أصواتهم إلى المسؤولين للضغط على الشركات، وفي كلتا الحالتين فإن الدولة هي من يدفع الفاتورة المكلفة لهذه السلوكيات، خصوصا بعد أن لجأ مئات المحتجين مؤخرا إلى التجمّع في إحدى الحدائق العامة في تطور لا بدّ وأن نقرأ من خلاله سيناريوهات المستقبل التي من الممكن أن تقفز إليها هذه الممارسات، لا سيّما في ظل كثافة أعداد المحتجين وتحوّل الأمر أحيانا إلى اتهامات متبادلة بين الشركات وعمالها بما يضع علامة استفهام عريضة حول غياب الآليات الجدّية السريعة للتحقق من صدقية الطرفين والتصرّف بما يمليه الموقف من سرعة وفاعلية وحزم لإغلاق هذه الأبواب المسيئة للدولة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae