هل أصبح الخلاف هو نقطة الاتفاق الوحيدة على الساحة السياسية اللبنانية؟·· هل أصبح الاختلاف هو لغة التواصل الوحيدة بين كل عناصر التأثير على الساحة اللبنانية؟·· وما الذي يحدث في لبنان الذي يحتل مكانة غالية وعزيزة في القلب العربي والذي يتطلع كل العرب إلى استعادته قوياً فتياً سخياً في عطائه وإسهاماته التي طالما أثرت العمل العربي وأضافت إليه؟·
المشهد السياسي اللبناني يثير الكثير من مشاعر القلق النابعة من مكانة البلد والشعب، التجاذبات الحادة والخلافات المتجددة على كل الاستحقاقات السياسية والتي أصبحت السمة الأكثر وضوحا منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، تضاعف المخاوف من انزلاق مرفوض نحو الفوضى والعنف·
التداعيات التي صاحبت حالة الاحتقان السياسي غير المبررة خلال اليومين الماضيين تؤكد أن الرهان على الزمن هو رهان خاسر للجميع لأن المطلوب هو سباق حقيقي وصادق نحو التهدئة والحوار العقلاني الخالي من كل مظاهر التشنج التي تضاعفها بعض وسائل الإعلام التي تتبنى نعرة لا تخلو من طائفية· الأخبار القادمة من بلد الأرز وواحة السلام والحب وموطن الثقافة والفن، تشير إلى وصول الأزمة الحكومية إلى حدود الانفجار، وتؤكد فشل مساعي التهدئة التي قام بها بعض العقلاء لفرض هدنة إعلامية ووقف التصريحات المتشنجة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء في قاموس الخطاب السياسي، بين تحالف ''أمل'' و''حزب الله'' وبين ما أصبح يعرف بتحالف 14 مارس، وهو الخطاب السياسي الذي تضمن أحاديث عن سلاح الغدر وعن خيانة الثوابت، تضمن تذكيرا بغيضا بالأحداث المؤسفة إبان الحرب الأهلية اللبنانية، تضمن إصرارا على استعادة ذاكرة الأيام السوداء واسترجاع تفاصيلها الأليمة·
الأيام القليلة الماضية شهدت تكرارا غريبا لسيناريو التراشق الإعلامي العنيف والتباري في إطلاق الاتهامات عبر الفضائيات التي لا ترى فيما يحدث في لبنان سوى جانب الحدث الساخن الفاتح للشهية الإعلامية·· المشهد اقترب بالفعل من حرب إعلامية حقيقية بين أبناء الوطن الواحد وشركاء الحلم والمستقبل·
ولأن منحنى التعاطي السياسي في لبنان أصبح لا يعرف سوى الاتجاه الواحد، اتجاه التصاعد الحاد على حساب التوافق والوفاق، فالمواجهة مرشحة إلى الوصول إلى المنحى الأمني الخطر ما لم يسارع عقلاء لبنان إلى التدخل الحاسم لوقف مواجهة محتملة اليوم بين متظاهرين من أنصار ''حزب الله'' وبين متظاهرين تابعين لفريق ''قوى 14 مارس'' وهو ما يمكن تجنبه لو أدرك الجميع أنهم لبنانيون وأن الوطن يحتاج إليهم جميعا ويتسع للجميع·