يبدو أن التطوير لا يتم إلا على يدي الأجانب والمتجنسين بجنسيات غربية، فالتعليم والصحة والإعلام والإدارة والاقتصاد صار لهم رجال للتغيير لكن ممن؟··
ليس الأمــر متعلقا بتحجيم المواطن واستصغاره، ولا بقــرارات التقاعـــد التعسفية، ولا حتى بتجاهــل خبراته، وأنه ابن المـكان وعمــل به لسنوات، الأمــر الذي يتيــح لـــه خبرة وعطـــاء، لكنــه التطوير الــذي لم يحــدث رغـــم مــرور كـــل هــذه الأشهــر منــذ بدء استجلاب هؤلاء الخبراء·
الأهم أن هذا الخبير القادم من مجاهل خبرة بعيدة عن واقع الحال، يتعامل كأنه مقيم أبدي، وأن وجوده دائم ما دامت المؤسسة موجودة، وكأنه ليس هنا لتقديم خبرته والرحيل، بل لاستعراض خبرة بعيدة عن المجال ذاته، ولإضافة لمسة تأتي بالقديم وتلبسه ثوباً جديداً ويقول ها أنذا!
أحدهم ممن يحملون جنسية غربية قال: ''إنكم شعب بلا موروث ثقافي ولا ذاكرة حية عن ماضٍ له هويته وشخصيته··''·· نسي هذا الخبير أنه ينتمي لدولة بلا شكل ولا مذاق ولا حتى لغة أصيلة· إنهم هنا ليشهروا بنا أيضاً ولم يكتفوا بكل هذه الأموال التي ملأت حساباتهم البنكية من حيث لا يحتسبون·
تمنيت على المسؤول الذي اعتمد وجودهم أن يمنحهم مدة زمنية محددة ليحققوا فيها ما شاء من تطوير·
لكن لا مدة زمنية ولا شروط تلزمهم بتدريب مواطنين، ولا حتى سؤال ماذا أنجزتم؟!
الخبرات المواطنة ليست قليلة والذي حارب في حقله له تجربته، التي بالتأكيد لها منظورها الخاص للتطوير وعلاج التصدعات، لأن ساكن البيت أدرى بمشاكله من الضيف الغريب·
والمحزن هو هذا الاستســلام المطلــق لكــل ما يقولون، كأن قولهم هو الحكم الفصل، رغم أنهم لم يأتوا بالجديد أو حتى المهم·· يسيرون ويسير خلفهم جمع وكأنه يحمل مشاعل الخلاص في خطواته·
ورغم كثرة الأدبيات التي تناولت هذا الانسياق خلف كل ما هو غربي، وأرجعته لمظاهر انتابت الشخصية العربية بعد قرون من الاستعمار والاستعباد، ورغم أن الوعي بخطورة هذا التفريط بأسس الهوية وبحقوق أهل المكان حاضر وأدركته الكثير من الدراسات، إلا أن الأمر تحول إلى انسحاق غريب، كأن السائد هو وجود الخبير الأجنبي وتراجع دور المواطن عن إثبات حضوره بخبرته التي يفترض عدم الاستهانة بها حتى لا تكون الخسائر متواترة من جميع الجهات·
ففي إحدى المؤسسات التعليمية، يأتي صاحب العقد الخيالي وقد جاوز الستين خريفاً، وقد اصطحب زوجته ليثبتها على أحد المقاعد الشاغرة أو أن يستحدث لها وظيفة تليق بزوجة خبير ممن لم تنجب الأمة مثلهم·· وتكون كل مهامها الصعبة تصوير الأوراق الثبوتية وتوزيع الاستمارات! لا أكثر·· لا أقل·
أليس في الأمر ألمً! متى نتخلص من أزمتنا في إثبات أن التطوير لا يأتي إلا بلغة أجنبية، وأن أيديهم ليست ذكية على الدوام، وأن الثقة بابن البلد تعني ثقة بالذات أولاً وأخيراً، وحتى إن استدعى الأمر وجودهم، لماذا نترك لهم كل الفرص لاستغلال الوضع واستنفاد مصالحهم ويذهب بعدها كل شيء للجحيم·
ليســوا هــم الخـــلاص·· ربمــا كانوا أول المأســاة وخاتمتهــا!