بين مبدئية الكاتب وطبوله!
ما من أحد بين القراء العرب، إلا ويتذكر ذلك العدد الكبير الذي كانت تحفل به الصحف العربية من مقالات رأي وأعمدة هلل أغلبها للحرب الأميركية ضد العراق واحتلاله قبل نحو ثلاثة أعوام، حيث رأى كتابنا العباقرة في ذلك الغزو رسالة أخلاقية وواجبا حضاريا عظيما تحملته أميركا على عاتقها كي تنقل العراق وشعبه من بؤس الفقر وظلام الديكتاتورية، إلى مرحلة الانعتاق والتقدم والرفاه!
في ذلك الوقت كنت أقرأ مقالات للكاتب البريطاني باتريك سيل، وسط مقالات لكتاب عرب يرددون أفكارا متشابهة حول أهمية الحرب، وما يستتبع فكرتهم تلك عن ''حرب تحرير العراق'' من ''أحلام'' متفائلة! أما باتريك سيل فكان ينحو في اتجاه آخر أكثر وضوحا في رؤيته وأشد التزاما ومسؤولية أخلاقية في أطروحاته؛ ولم يفته في أية مقالة كتبها آنذاك أن يؤكد على أن سياسة الحرب الوقائية التي انتهجها المحافظون الجدد، بحيث أجازت أميركا لنفسها ما تشاء من أفعال وتصرفات، ستكون ''أمضى'' وسيلة لتقويض القانون الدولي وتهديد الاستقرار العالمي، وأن احتلال العراق على يدي التحالف الأنجلو- أميركي، بعد 80 عاما على استقلاله عن الحماية البريطانية، يمثل انتكاسة خطيرة عن المسيرة العالمية نحو الحرية والتحضر وإرساء القانون الدولي وتحقيق احترامه· وإذا كانت الوقائع على الأرض قد ذهبت جفاء بكل الأوهام التي صاغها كتابنا العرب العباقرة في مديح الغزو والاحتلال وفي تسويق المشروع الأميركي عامة، فإن باتريك سيل ظل وفيا لخطه الثابت في رفض مبدأ إعلاء القوة وتكريسها في العلاقات الدولية، وفي تحذيره من العواقب الوخيمة للاستفراد الأميركي ببلد عربي محوري هو العراق·
وفي مقاله الأخير ''الإرث المأساوي لحرب العراق'' (الاتحاد، 9 يناير 2006)، نلاحظ أن ''سيل'' لم يحد عن موقفه قبل ثلاثة أعوام، وهو يشير إلى أن العالم العربي ''لازال عليه أن يستوعب تداعيات احتلال العراق وهي: تدمير دولة عربية رئيسية، تغيير ميزان القوى الإقليمي، تفاقم التوتر بين السنة والشيعة، وانتشار عدم الأمن··· إنه إرث مأساوي حقا!''· فهل بين تلك النتائج كلها نتيجة واحدة لا تستوجب من كتابنا ''العباقرة'' أن يكون لهم رأي آخر غير التطبيل للحرب ومديح الغزو؟!
نادر المؤيد - أبوظبي