تزامن مرض شارون مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي قررت حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' خوضها، ولأن حركة السياسة لا تتوقف بطبيعة الأمور نتيجة لغياب أو مرض شخص ما مهما كان موقعه القيادي، فلقد وجد خلفاء شارون، وعلى نحو خاص إيهود أولمرت القائم بأعمال رئيس الوزراء، أنفسهم في مواجهة واقع جديد يتبلور في الساحة الفلسطينية لابد من التعامل معه· انقسم رد فعل المؤسسات السياسية والأمنية في إسرائيل تجاه احتمال تفصح عنه استطلاعات الرأي يفيد بأن ''حماس'' قد تحصل على نصيب كبير من مقاعد البرلمان الفلسطيني· في القسم الأول من رد الفعل شهدنا حالة فزع بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وانطلقت حملة بيانات وتصريحات تشيع الخوف في إسرائيل وتحذر من السماح للحركة بخوض الانتخابات· في جلسة للجنة الشؤون الخارجية والأمن ألقى رئيس جهاز الأمن الداخلي ''الشاباك'' يوفال ديسكين بياناً قال فيه إن إسرائيل ستواجه مشكلة كبرى ومعضلة إذا ما فازت حركة ''حماس'' بأغلبية المقاعد· وحرص ديسكين على زرع المخاوف من هذا الاحتمال عندما أضاف أن أي تقدم جدي لهذه الحركة سيعني تأكيد سيطرتها بين الجماهير الفلسطينية حيث سيمكنها من خلال وجودها في البرلمان التسلل إلى الوزارات المختلفة والتأثير في مضامين التعليم، بالإضافة إلى احتمال إدخال كوادرها إلى الأجهزة الأمنية لإفشال خطط مكافحة الإرهاب· وقد التقط رئيس اللجنة يوفال شتاينس الخيط من رئيس ''الشاباك'' ليضيف لبنة جديدة في جدار الخوف من ''حماس'' مركزاً على أن وجودها كشريك في البرلمان الفلسطيني، يعني وضع نهاية لعملية أوسلو· الغريب أن هذه النبرة لم تستمر طويلاً بل حلت محلها نبرة جديدة على ألسنة خلفاء شارون في الحكومة وهي نبرة يمكن اعتبارها مقدمة لتطبيق سياسة الباب الموارب أمام ''حماس'' بقصد تشجيعها على إلغاء البنود التي تعتبر إسرائيل كياناً باطلاً في ميثاقها من ناحية وبهدف حفزها على التحول إلى حزب سياسي ينفض يده من استخدام السلاح وشعار الكفاح المسلح من ناحية أخرى، ويندمج في عملية التسوية السياسية التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية واعترفت ضمنها بوجود دولة إسرائيل واكتفت في سياقها بهدف إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة·
ويمكن رصد إشارتين من جانب إيهود أولمرت وشاؤول موفاز في هذا الاتجاه، فقد نشرت الصحف الإسرائيلية أن أولمرت قال للرئيس الأميركي جورج بوش في مكالمة تليفونية، إن إسرائيل لن تتعامل مع نواب ''حماس'' المنتخبين في المجلس التشريعي طالما أن هذه الحركة تمارس الإرهاب ولا تتخلى عنه وعن عدائها الشديد لإسرائيل· ومن الواضح أن نبرة التصريح تعني أنه في حالة زوال الشروط المانعة لإسرائيل من التعامل مع نواب ''حماس'' فإنه لن يكون هناك مانع من هذا التعامل· ويأتي تصريح شاؤول موفاز وزير الدفاع ليضيف درجة أعلى من الوضوح عندما أعلن أن إسرائيل لن تتعامل مع نواب ''حماس'' المنتخبين إلا إذا تخلوا تماماً عن ممارسة الإرهاب وشطبوا كل البنود التي تتحدث عن إبادة إسرائيل في ميثاقهم·
إن سياسة الباب الموارب المستقرة في التجارب العالمية في مجال الصراعات الإقليمية سبق تطبيقها إسرائيلياً مع منظمة التحرير لتشجيعها على إعلان اعترافها بوجود دولة إسرائيل· ومن المفهوم الآن بالنسبة للمراقبين أن تعمد ''حماس'' عدم ذكر هدف إزالة دولة إسرائيل في برنامجها الانتخابي الذي تخوض على أساسه الانتخابات البرلمانية، يمثل إجراءً يحمل رسالة ضمنية إلى الجانب الإسرائيلي· وهي رسالة يفهمها المراقبون على أنها إشارة أولية بقبول قواعد التسوية السياسية والدخول في إطارها· ولا يقلل من أهمية هذه الإشارة أن يدلي بعض زعماء ''حماس'' بتصريحات تفيد أنهم يتمسكون بميثاق الحركة بما في ذلك البند الذي يعتبر إسرائيل كياناً باطلاً· ذلك أن هذه الإشارة تمثل خطوة أولية لاختبار رد الفعل الإسرائيلي وقياس ما يمكن أن تقدمه إسرائيل من علامات مشجعة قبل التطرق إلى قضية تعديل ميثاق الحركة·
أمور كثيرة في هذا المجال ستتضح مع انتهاء الانتخابات الفلسطينية وسنرى رد فعل خلفاء شارون على النتائج الفعلية وتطورات موقف ''حماس''·