عادت مسألة دارفور بكثافة وقوة لتحتل واجهات الأخبار· عادت لتكشف هذه المرة عن صفحة أخرى من سيناريو وأحداث دارفور المؤسفة والمؤلمة لكل سوداني· السيناريو الذي بدأ بوضع قضية دارفور بين أيدي الاتحاد الأفريقي وكـان من نتائجه الاتفاق على تشكيل قوة مراقبة وقف إطلاق النار، أنزلت في دافور وهي مؤيدة بموافقة الحكومة السودانية وطرفي -أو أطراف- النزاع الدارفوري المسلحين وهي أيضا موعودة بمساعدات دولية تمكنها من أداء مهمتها· هذا السيناريو الذي فتحت منه صفحة جديدة سينتهي بقرار دولي بإنزال قوات طوارئ دولية مفوضة من قبل مجلس الأمن الدولي برغم معارضة الحكومة السودانية وإعلانها بالصوت الأعلى أنها لن توافق على ذلك الأمر ولن تسمح ''بتدويل المسألة الدارفورية'' فالعالم قد اعتاد على رفض الحكومة المتسرع ثم قبولها المتسرع أيضاً! فالاتحاد الأفريقي الذي أوكلت إليه المهمة الأصلية قد أعلن على لسان مفوضه موافقته على اقتراح عنان بإرسال قوات دولية معتبرا أن الحكومة السودانية ليس لها حق الرفض على إنزال قوات دولية في دارفور منذ أن وافقت على وضع مهمة مراقبة وقف إطلاق النار على عاتق الاتحاد الأفريقي ورحب بها بعض أطراف النزاع من الدارفوريين!
وبقية تفاصيل ما حدث وما سيحدث في دارفور كلها تشير إلى أن (قوات دولية ما) سترسل إلى دارفور لكن في خضم هذه العملية المحمومة هنالك ''ضحية بريئة'' قد جرى اغتيالها معنويا وبكل برود وقوة أعصاب·
فمنذ بدء عملية دارفور كان أمل المتفائلين يتجه نحو هذه التجربة الأفريقية الجديدة -أول تجربة تكوين قوات عسكرية أفريقية بديلا لقوات الأمم المتحدة تتولى برعاية وقيادة الاتحاد الأفريقي المهام المماثلة التي تقوم بها قوات الأمم المتحدة في القارة الأفريقية· الذين عارضوا منذ البدء وحذروا من الانزلاق في تدويل قضايا السودان (قبل وبعد نيفاشا) داعبهم أمل ورجاء أن تكون القوة الأفريقية بداية لمسار جديد يحقق الأمل والطموح القديم والمشروع بأن تصبح أفريقيا سيدة قرارها وأن تأتي الحلول للقضايا الأفريقية الكثيرة والمعقدة على أيدي الأفريقيين أنفسهم·
إن قوات الاتحاد الأفريقي التي وصفت اليوم بالعجز عن أداء مهمتها في دارفور مثلها مثل الذي ألقي في اليم (مكتوفا) وقيل له إياك إياك أن تبتل بالماء· فهي قوة جمعت على عجل ولم تتوفر لها أهم المعدات والآليات التي تمكنها من أداء مهمتها· ولم تساعدها الحكومة ولا الأطراف التي تقاتل ضدها من أداء مهمتها، بل على العكس اشتركت كل الأطراف في عرقلة جهودها· والعالم، وبخاصة الدول التي التزمت بتوفير بعض المتطلبات الضرورية لقوة عسكرية مهمتها حفظ السلام، بذلت من الوعود الكلامية الكثير، ولم تبذل في الواقع أقل القليل· وهكذا إلى أن جاء اليوم الذي أصبح فيه المفوض الأفريقي في دارفور هو أعلى الأصوات المنادية بإرسال قوات دولية إلى دارفور التي وضعت تحت رعايته· وعندما ينظر الناس العاديون لهذه المسألة سيرون فقط ما أريد لهم أن يروه وهو عجز أفريقيا -أي الاتحاد الأفريقي- وفشله في أولى تجاربه في هذا المجال· ومن هنا جاءت عملية الاغتيال المعنوية لروح الاتحاد الأفريقي ومعاه الكبير· جاءت ومع الأسف في دارفور السودانية·