تصاعدت في الفترة الأخيرة الأزمة الناجمة عما يقال بخصوص سعي إيران لامتلاك القوة النووية بالرغم من التأكيدات الإيرانية المتكررة بأن برنامجها سلمي، والهدف منه هو توليد الطاقة الكهربائية، وأنها في سعيها لذلك لم تخالف القوانين والأنظمة الدولية المرعية· هذا مع العلم بأن إيران، هي من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تعطي جميع الدول الموقعة عليها حق بناء مفاعلات نووية بما في ذلك مراكز تخصيب اليورانيوم طالما أن ذلك كان لأهداف سلمية· والحقيقة أن برنامج إيران النووي، الذي يثير حفيظة الغرب الآن ويهدد بمواجهة قد تبدأ سياسية وقد تنتهي بمواجهة عسكرية لا يعرف إلا الله مداها، ليس وليد ساعته· فذلك البرنامج بدأ فعلياً أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات في أيام حكم الشاه الحليف القوي للولايات المتحدة (بل إنه كان برعايتها ومعرفتها وضمن معاهدات واتفاقيات ثنائية موقعة بين الطرفين)· وقد تم في عام 1967 بناء أول مفاعل نووي (بقوة 5 ميغاوات) قامت الولايات المتحدة بتزويد إيران به وتركيبه· وفي عام ،1968 وقعت إيران على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية· ووفقا للوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخراً، شجعت الولايات المتحدة إيران بالفعل على توسيع مصادرها من الطاقة غير النفطية، بل قدمت للشاه حينها تقديراتها عن أن إيران ليست بحاجة إلى مفاعل نووي واحد، لكن إلى عدة مفاعلات! وهدفت الولايات المتحدة من ذلك استعادة الملايين التي كانت قدمتها ثمناً للنفط الذي استوردته من إيران، خاصة بعد فورة الأسعار التي أعقبت الحرب العربية/ الإسرائيلية في عام ·1973
شجع الموقف الأميركي هذا شاه إيران على الطلب من شركة ''سيمنز'' الألمانية (الغربية آنذاك) تزويده بمفاعلين نوويين بقوة 1200 ميغاوات لكل منهما· وخلال عامي 1974 ،1975 قامت مؤسسة الطاقة النووية الإيرانية بتوقيع عقد مع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا لتدريب الكادر الإيراني الذي سيتولى الإشراف على وإدارة المفاعلين قيد الإنشاء· كما أدلت فرنسا بدلوها وقامت بتأسيس المركز التكنولوجي النووي في مدينة أصفهان في أواسط السبعينيات، وذلك لتدريب المهندسين الإيرانيين· كذلك، وقعت إيران مع فرنسا في عام 1974 (شركة فراماتوم) اتفاقا لبناء مفاعلين نوويين بقوة 950 ميغاوات لكل منهما في مدينة الأهواز· غير أن اندلاع الثورة في عام 1979 حال دون الانتهاء من بنائهما· ومع نجاح تلك الثورة، توقف الغرب عن دعم أنشطة إيران النووية بل باشر بمعاداتها حيث رفضت شركة سيمنز تزويد إيران بالمفاعلين المتفق عليهما سابقاً، الأمر الذي اضطر إيران إلى مقاضاتها في المحاكم الدولية التي لا تزال تنظر في القضية لغاية اليوم· وقد اضطرت إيران بعد انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية إلى التوجه نحو الاتحاد السوفييتي (ولاحقاً روسيا)·
تصاعدت الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وبين إيران من جهة أخرى، خصوصاً بعد قرار الحكومة الإيرانية ''رفع الأختام'' واستئناف بحوث تخصيب اليورانيوم· فقد اعتبرت الإدارة الأميركية الموقف الإيراني بمثابة اختراق لخط أحمر وخطأ كبيراً في الحسابات· كذلك، هدد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قبل أيام بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي ولم يستبعد أي خيار ضد إيران، علما بأن إيران -وفقا لمصادر- لم تنتهك أي بند من بنود المعاهدة الدولية لمنع الانتشار النووي· أما في إسرائيل فيدور جدل على كل المستويات السياسية والعسكرية حول ما يسمونه ''مخاطر البرنامج النووي الإيراني على الدولة العبرية''· ومن منظورهم، فإن الخطر الذي تمثله إيران النووية لإسرائيل مزدوج·
فمن ناحية، فإن إيران التي تملك المعرفة اللازمة لصنع القنابل النووية (ناهيك عن إنتاجها) ستحد، بلاشك، من قدرة إسرائيل على ردع منظمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية كما ستفقد إسرائيل ميزة كونها الدولة الوحيدة التي تملك الأسلحة النووية في المنطقة، وبالتالي قدرتها على فرض السلام الشرق أوسطي الذي تريده وفقا لشروطها الخاصة· ويقول (أفرام سينيه) عضو ''الكنيست'' وأحد قادة حزب ''العمل'' الإسرائيلي: ''لا يمكن تخيل فكرة وجـود قنبلة نووية في أيدي أعدائنا حتى وإن لم يستعملوها· إن مجرد فكرة وجودها لديهم كافية· لا يمكنني تخيل فكرة أن تستمر المفاوضات السلمية بيننا وبين الفلسطينيين في ظل وجود هذا السـلاح''!!
مراقبون وسياسيون عرب يعتقدون أن وجود سلاح نووي في إيران سيشكل عامل توازن يمنع إسرائيل من إجراء مفاوضات وفق شروطها وفرض ''السلام الإسرائيلي''· وفي حال حدوث أي توتر بين إسرائيل و''إيران نووية'' فإن آلاف الإسرائيليين سيغادرونها خوفاً من أن تتحول المواجهة إلى مواجهة نووية·
ومن ناحية أخرى، يقول بعض الخبراء الإسرائيليين إن وجود السلاح النووي في إيران سيخلق نوعا من توازن الرعب في منطقة الشرق الأوسط بحيث يساهم في استقرار المنطقة تماماً، مثلما حدث طوال فترة الحرب الباردة بسبب وجود قوتين نوويتين