بوفاة سمو الأمير جابر الأحمد الصباح -رحمه الله- فقدت الكويت الشقيقة قائدا عظيما ضمن سلسلة قادة دول مجلس التعاون التي منيت بخسارة فادحة في فترة زمنية قياسية وهي بأمس الحاجة إلى أمثال هؤلاء الأفذاذ· وقد قاد الأمير الراحل السفينة المسالمة كما سمى الكويت في آخر كلماته، بشعبه إلى واحة من الأمن والاستقرار في أصعب محنة مرت بها الكويت عندما غزا صدام أراضيها في عام ·1990
والمعادلة التي سادت العلاقة بين الإمارات والكويت كانت واضحة في فترة الغزو عندما وضع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، كل إمكانيات الدولة لصالح الوقوف مع الحق الكويتي، وقد خالطت دماء شهداء الإمارات في حينه ذرات رمل الكويت الغالية على الجميع، وليس في هذا رد للجميل، بل أقل ما يمكن تقديمه لتلبية نداء الواجب المحتوم تجاه الأشقاء في شتى الظروف·
أما الطرف الآخر من تلك المعادلة التي للكويت فيها فضل علينا فهي تعود إلى فترة ما قبل الاتحاد عندما كانت دائرة المعارف الكويتية مشعل علم ومنارة لنا في الإشراف على التعليم الذي كان من أهم أسس البنيان في الدولة الاتحادية·
كويت العزة والأنفة لم تفقد قائدا محليا وإنما رمزا مضيئا من رموز الديمقراطية النموذج الخليجي الذي كان له الأثر الواضح في اقتباسات دول الخليج الأخرى منه كلا حسب ظروفه الخاصة ولكن الريادة جلية في التجربة الكويتية التي يشاد بها على مستوى الديمقراطيات العالمية ويكفي أنها أول تجربة برلمانية على المستوى العربي والإسلامي من ناحية الأداء السياسي بين ممثلي الشعب والحكومة في كافة الحالات التي مرت بها دولة الكويت·
فإن كــان هنالـك من أمــــر نعده مهمــا جدا فــي المرحلـة التي قادهــا الأمير جابر -رحمه الله- وهو مما يعزز مسيرة الديمقراطية في الكويت ألا وهو الأمر السامي الذي أعطى المرأة الكويتية الحق السياسي الكامل للترشح والانتخاب شأنها شأن إخوانها، وهي القضية السياسية التي شغلت الرأي العام الكويتي منذ إنشاء البرلمان إلى صدور المرسوم الأميري الذي أنصف المرأة الكويتية بعد سنوات من الجدال العقيم، وفي ذلك دلالة على أن الديمقراطية كانت بالنسبة للأمير الراحل نهجا راسخا وإيمانا قويا بالمضي فيه كوسيلة سلمية وحضارية تسمو من خلالها معاني الحرية في نفوس أفراد الشعب وكذلك الخيط الرفيع والقوي في آن واحد لربط القمة بالقاعدة· ولتأكيد هذه الروح، فقد جمعنا لقاء ودي في إحدى السنوات مع الأمير الراحل في مجلسه حيث دار حديث عام حول نية الحكومة لفرض الزي الرسمي على طلبة المدارس والجامعات، وكان جوابه المباشر على هذه المسألة هو في ترك القناعات كي تأخذ مجراها لدى الشعب فهو الذي له الحق في تقرير ذلك والحكومة خادمة له، فلن يكون القرار من قبلنا فالأمر متروك لحريات الناس وخصوصياتهم، لأن الديمقراطية عند الأمير جابر كانت روحا قبل أن تكون آلة من الآلات المعينة على الحكم وفق منظومة معتبرة عالميا ومقياس مهم في تطور الشعوب والأمم·
وقد أفضى الأمير جابر -رحمه الله- إلى ربه وقد كان في أمنيته أن يتحقق البرلمان الخليجي الموحد، بحيث يتكامل العمل التعاوني بإنشاء هذا الصرح لتعزيز دور المجلس المستقبلي في تحقيق أماني الشعوب التي تنتظر الإنجازات الكبرى من خلال رؤية قادتها· وكلنا أمل في القيادة التي ستتولى زمام الحكم في الكويت مواصلة ما كان ينوي الأمير جابر -رحمه الله- تحقيقه، فالخيرية في قيادات الخليج سمة موروثة فمن وراء جابر رجال قادرون على المواصلة حتى النهاية·