الحمد لله أن كنت ممن منَّ الله عليهم بأداء الحج هذا العام، ولله الحمد على السلامة وأسأل الله القبول، وكغيري من الحجاج ومن تابع موسم الحج هذا العام يأسف للأرواح التي انتقلت إلى جوار ربها لسبب أو لآخر، فخيركم من طال عمره وحسن عمله، ولكنْ في قضاء الله خير، وبينما كنت في المشاعر كتبت هذه الخواطر حول ما رأيت وعشت أثناء أدائي للفريضة· عزيزي القارئ إن كنت تبحث عن تحليل علمي أو شرعي للحج فهذا ليس مكانه، وإن كنت تترقب دراسة مؤكدة بالإحصاءات والأدلة والبراهين فابحث عنها في مظانها، ولست هنا بصدد الإفتاء للناس، لكن فوق كل هذا فإن ما هو مكتوب كان ملاحظات عاشها مسلم حاول أن يؤدي النسك متفكرا فيما حوله من مشاهدات، ناظرا خلالها بروح العقل الذي هو من متطلبات النهضة التي تترقبها الأمة العربية والإسلامية·
كلنا ينتظر اليوم الذي تعود فيه هذه الأمة للصدارة العالمية بعد عقود من التبعية التي نلنا منها الويلات، وهذه الأمة العربية والإسلامية بدأت تتململ مما هي عليه بانتظار الوعد الحق، لكن إذا كانت هذه الأمة تمتلك كل متطلبات القيادة نظريا فإنها لم تستطع في الوقت الراهن تطبيقها عمليا وهذا في تصوري هو السبب من وراء التأخر الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية اليوم· نعم ديننا كامل كما قال تعالى في كتابه ''اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي'' لكن ما ينقص هذا الدين هو التطبيق والممارسة التي تحوله من كتاب مقدس محفوظ في الصدور والسطور إلى كتاب يعيش الناس به ومعه· وللأسف الشديد بمشاركة الناس أداء فريضة الحج يدرك الإنسان مدى البعد الذي نعيشه عن روح الدين، فأصبح الناس يتمسكون بشعائر هي من السنن على حساب الفرائض التي هي الأساس، وربما في المثال الذي سأسوقه تتضح لنا الصورة التي أود أن أرسمها·
لو افترضنا أن ملايين الحجاج لهذا العام يمثلون عينة عشوائية من جموع الأمة كما يقول إخواننا في الإحصاء، فإن هذه العينة في جل ممارساتها تبتعد عن روح الدين، وكم كنت حزينا للمشاهدات التي رأيتها والتي لا تمت إلى الإسلام بصلة سوى أن من يقوم بها من المسلمين، ولعلي أسوق بعض المعاني التي رسمت في مخيلتي، وأثرت في فكري كي أكتب هذه الكلمات التي لو انتبهت لها الأمة لكنا في حال أفضل مما نحن عليه·
من أول الأمور التي من الواجب الانتباه لها لأمة تريد أن تقود العالم قضية حرمة الدم، فللإنسان مهما كان هذا الإنسان عصمة لدمه من الهلاك، ما لم يرتكب جرما عقابه الدم، والمتأمل في أحوال الحجاج في هذا العام يرى أن أرواحا أزهقت وسحقت بغير وجه حق، ومما يأسف له الإنسان أن يتصدر بعض العلماء بقولهم إن من قتل لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من الناس الذين أدوا مناسك الحج· في تصوري المتواضع أن الأمة التي لا تحترم فيها قدسية حياة الإنسان أمة لا تستحق أن تقود العالم، ورحم الله عمر بن الخطاب عندما قال ''لو عثرت شاة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها'' وكلنا يرى في الأمم التي تقود العالم اليوم مدى اهتمامها بهذا الإنسان، فإسرائيل مثلا تفادي مئات الأسرى من العرب مقابل رفات جندي إسرائيلي، ونسمع كثيرا عن وزراء استقالوا لأن قطارا خرج عن مساره ومات بعض البشر، لكننا في أمة الإسلام إلى اليوم لا نجد قدسية لهذا الإنسان، ومن لا يعرف أهمية الفرد الواحد فهو لا يدرك كيف تبنى الأمم، نعم كان ومازال الإنسان هو المنطلق الأساس·