أفترض أنكم لا تزالون تذكرون ''سبوتنيك'' ذلك القمر الاصطناعي الصغير، الذي أطلقه السوفييت في الفضاء عام ·1957 وكم كان ذلك مدهشاً ومحرجاً لإدارة الرئيس الأسبق إيزنهاور، إلى درجة أنها خصصت للتو وقتئذ، برنامجاً مكثفاً لتدريب المزيد من العلماء والمهندسين الأميركيين، حتى تستطيع الولايات المتحدة اللحاق بخصومها الروس في السباق الفضائي· وعلى أية حال، فقد بدا لعيون كل مراقب ومتابع، أن ''سبوتنيك'' الجديد الخاص بهذا الجيل، قد أطل برأسه في معرض ديترويت الأخير للسيارات، الذي جرى تنظيمه الأسبوع الماضي· ولكن ما يلفت النظر أن الذي ظهر لم يكن قمراً اصطناعياً كما يشير الاسم، بل سيارة من طراز 1517 yleeG· ومن مزايا هذه السيارة أنها تتسع لعائلة مكونة من خمسة أشخاص، وأنها اقتصادية في استهلاكها للوقود، إذ تقطع عدداً معقولاً من الأميال بجالون الوقود الواحد، فضلاً عن معقولية سعرها، حيث يتوقع لها أن تباع بقيمة 10 آلاف دولار عندما يبدأ تسويقها اعتباراً من العام بعد المقبل ·2008 والأكثر لفتاً للنظر أن هذه السيارة ليست أميركية وإنما هي صينية الصنع!
ألا يعني لكم ذلك شيئاً؟ حسناً··· فهناك ''سبوتنيك'' جديد آخر، يحلق في سماء إيران الآن· والذي نعلمه علم اليقين أن إيران ماضية قدماً في تطوير وصنع قنبلتها النووية، بصرف النظر عما تقوله الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة معاً وتطلقانه من وعيد وتهديدات· وبفضل ارتفاع سعر برميل النفط الواحد إلى 60 دولاراً، فقد اكتنزت جيوب قادة إيران إلى درجة أنهم أصبحوا قادرين الآن إما على شراء أصوات دول العالم الأخرى، أو على زجرها وإخراسها· ثم هناك ''سبوتنيك'' التغير المناخي، وهو أكثر هدوءاً وتحليقاً في مداره، وأكثر بطئاً في تذويبه للطبقات والأغطية الجليدية وإثارته لعواصف ''كاترينا'' وما إليها·
فما الذي أود قوله هنا على وجه التحديد؟ ليتني أستطيع القول إن حقبتنا هذه تخلو ولو من ''سبوتنيك'' واحد قادر على إثارة الاهتمام والنظر ولفت الانتباه إلى المخاطر الجمة التي تحدق بأمننا القومي وطريقة حياتنا، على النحو الذي حظي به آباؤنا في عصرهم· وإن كنا نفتقر اليوم إلى ظاهرة مهمة مثل ظاهرة ''سبوتنيك'' التي شهدها عقد الخمسينيات، فإن ذلك لا يعني البتة خلو عصرنا من المهددات والمخاطر· والشاهد أن هذه المخاطر موجودة بكثرة، وأن ثمة قاسماً مشتركاً أعظم يربط بينها جميعاً، هو طريقة استهلاكنا للطاقة، لاسيما وقود النفط· دعوني أقل لكم أصدقائي، إننا في قلب أزمة طاقة مستفحلة ومتفاقمة، وهي يقيناً ليست أزمة يعيشها آباؤنا وأجدادنا، وإنما نعيشها نحن··· وهي ليست بالأزمة السهلة ولا البسيطة لأربعة أسباب رئيسية·
أولها أننا نخوض حرباً ضارية وشرسة ضد الإرهاب الإسلامي الراديكالي المتشدد، الذي مولناه نحن بعائدات شرائنا للطاقة· واليوم فها نحن نمول كلا طرفي النزاع في هذه الحرب، أي الجيش الأميركي بما نسدده من رسوم ضريبية من جهة، ثم المدارس الإسلامية والمنظمات الخيرية التي تمول الإرهاب، علاوة على تمويلنا للمنظمات الإرهابية نفسها، عن طريق مشترياتنا من النفط من الجهة الأخرى· أما ثاني الأسباب، فيتلخص في أننا بتنا نعيش الآن في عالم مسطح، دخلت إلى حلبة التنافس الاقتصادي فيه ثلاث دول كبرى رئيسية هي الصين والهند وروسيا، وهي تحمل نسختها الخاصة بها من ''الحلم الأميركي'' المتمثل في اقتناء البيت والسيارة ومحمصة الخبز والثلاجة· وما لم نحث الخطى سريعاً باتجاه تبني موارد الطاقة البديلة القابلة للتجديد، فإنه من المرجح أن نزيد سخونة الكرة الأرضية، وأن نلوثها بالدخان ونسبب لها اختناقاً بأسرع مما شهده التلوث المناخي في أي عصر مضى من تاريخ الحياة على كوكب الأرض!
أما ثالث الأسباب، فمن المتوقع أن تهيمن التكنولوجيا الخضراء على هندسة تصنيع السيارات والطائرات وتصميم المنازل والمعدات والأجهزة ومباني المكاتب وغيرها، وأن يسود هذا التيار الجزء الغالب من كبريات صناعات وتقنيات القرن الحادي والعشرين· ونتيجة لذلك، فقد مضت الصين شوطاً بعيداً في هذا الطريق، لأنه لم يعد لها سوى أحد خيارين، إما أن تختنق بالتلوث أو تقلل من اعتمادها على طاقة النفط· وعليه فإن السؤال المطروح هو: هل ستكون لأميركا اليد العليا والطولى في التكنولوجيا والهندسة الخضراء، أم أننا سنكتفي بكوننا مجرد مستهلكين للسيارات والأجهزة المصنعة في كل من الصين واليابان وأوروبا؟
رابعاً وأخيراً، لنعلم أن في استمرار اعتمادنا على طاقة النفط، ما يقوض ذلك المنحى الديمقراطي العام الذي انطلق منذ لحظة انهيار حائط برلين· كيف ذلك؟ هل نسيتم أن سعر برميل النفط الخام قد ارتفع إلى 60 دولاراً وأنه سيحافظ على هذا المعدل، مما يعني قدرة أسوأ حكومات العالم على الإطلاق -كما هو حال حكومة طهران- أن تفعل الأفاعيل بالعالم بأسره؟! وإن في طفرة أسعار النفط هذه، ما يعضد هذه الأنظمة والحكومات ويجعل منها أكبر مهدد للنظم الديمقراطية، بما لم يسبقه إليها أي مهدد آخر