في لحظة زمنية يبدو كما لو أن سمتها الأبرز هي تزايد الدور السياسي للنساء وصعودهن إلى مناصب القمة، في مناطق مختلفة من العالم؛ أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا··· انضم وجه نسائي جديد، يثير صعوده الكثير من علامات التساؤل، إلى عالم الدبلوماسية الدولية ذي السمة الذكورية الغالبة، هو تسيبي ليفني التي عينت على رأس الخارجية الإسرائيلية في حكومة انتقالية جديدة أعلن عن تشكيلها يوم الأربعاء الماضي في تل آبيب· فما هي الخلفيات الأيديولوجية للوزيرة الإسرائيلية الجديدة؟ وكيف ترى قضية الشعب الفلسطيني والطريقة الممكنة للتعاطي معها؟ وما هي أهم الملفات وأكثرها أولوية أمام ليفني في نطاق الحكومة المؤقتة؟
جاء اختيار تسيبي ليفني لمنصب حقيبة الخارجية ضمن تعديل وزاري محدود أدخله القائم بأعمال رئيس الوزراء إيهود أولمرت لسد فراغات خلفها انسحاب وزراء حزب ''الليكود'' الذين قدموا استقالاتهم من الحكومة، وشملت التعيينات الجديدة ثلاث حقائب أخرى هي الإسكان والصحة والبنى التحتية الوطنية، إلا أن أهم ما اشتمل عليه التغيير الوزاري الأخير، والذي يأتي قبل الانتخابات العامة المقررة يوم 28 مارس المقبل، هو تعيين وزيرة للخارجية كي تحل محل سيلفان شالوم، وبذلك أصبحت ليفني ثاني امرأة تتولى هذا المنصب بعد غولدا مائير التي شغلته بين عامي 1956 و،1965 قبل أن تصبح رئيسة للوزراء من عام 1969 إلى عام ،1974 وذلك خلال فترة هي الأكثر سخونة في تاريخ الدولة العبرية·
تنتمي ليفني إلى تيار ''الوسط'' الجديد متمثلا في حزب ''كاديما'' بقيادة مؤسسه أرييل شارون، وتتلخص الآراء الأساسية لهذا التيار في أن الحوار مع قيادة فلسطينية قد يكون ضروريا على المدى البعيد، وفي حتمية الانسحاب من بعض الأراضي الفلسطينية، والتخلي عن فكرة ''إسرائيل الكبرى''··· وهي الأفكار التي تبناها شارون منذ عام ،2004 وتكونت بسببها معارضة قوية ضده داخل حزب ''الليكود'' الذي كان يترأسه، مما اضطره أخيرا -في خطوة هزت الساحة الحزبية الإسرائيلية- إلى الانسحاب من ''الليكود'' ليشكل حزب ''كاديما''، وكانت ليفني بين قيادات أخرى أعلنت انسحابها رفقة شارون والانضمام إلى ''كاديما''·
وخلال سني عضويتها في ''الليكود'' كانت ليفني أحد المؤيدين المخلصين لشارون، وقد دعمته في الصراع الذي خاضه لتأمين الموافقة على خطة ''فك الارتباط''· وحين اشتدت الأزمة بين شارون والجناح المعارض بقيادة بنيامين نتنياهو، حاولت ليفني القيام بوساطة فاشلة، فحثت شارون على الانسحاب من الحزب· ولم يكن ذلك مفاجئا لكثيرين، ليس فقط بالنظر إلى حدة انقسام الآراء داخل ''الليكود''، ولكن أيضا بسبب حداثة عمرها السياسي وتأثيرها المحدود؛ فقد دخلت الحكومة من باب البرلمان (الكنيست) الذي انتخبت عضوا فيه عن حزب ''الليكود'' لأول مرة عام ،1999 إلا أنها ظلت بمنأى عن الأضواء والعراك السياسي· ومن الناحية الشخصية، وفي إطار التركيبة العمرية للكنيست والحكومة الإسرائيليين، تعد ليفني حديثة السن (47 عاما، متزوجة وأم لطفلين) وذات خبرة سياسية ليست بالكبيرة؛ فهي من مواليد عام 1958 في فلسطين المحتلة، وقد عملت في مجال المحاماة بين عامي 1984 و،1996 قبل أن تصبح مديرة لإحدى الشركات الحكومية·
ورغم ما يقال حاليا عن انتماء مواقف ليفني إلى تيار ''الوسط''، فإنها عرفت بنزعتها اليمينية المتطرفة؛ وطوال الأشهر الأخيرة عارضت بشدة مشاركة ''حماس'' في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، قائلة إن ذلك سيمثل انتهاكا لاتفاقات أوسلو!
وخلال دراستها القانون في جامعة تل آبيب انتسبت ليفني إلى حزب ''الليكود''، وقادتها أفكارها اليمينية العدائية للشعب الفلسطيني إلى العمل في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ''الموساد'' فانتسبت إليه برتبة ملازم أول في شعبة ''الاستعلامات الخارجية''، وهي مصلحة اشتهرت بأساليبها في توظيف الجنس اللطيف في عمليات غامضة لتصفية أشخاص مستهدفين أو للإيقاع بهم·
ولم يكن المحيط الذي ترعرعت فيه ليفني بريئا من أفكار التطرف اليميني، فوالدها القادم من أوروبا الشرقية، كان مساعدا لمناحيم بيغن في قيادة ميليشيا ''الأرجون'' اليهودية التي اقترفت ألوان الجرائم ضد الشعب الفلسطيني قبل قيام الدولة العبرية عام 1948 وأثناء الانتداب البريطاني، وكان أحد الأشخاص الملهمين لأرييل شارون·
وحينما برز شارون كمرشح لرئاسة ''الليكود'' عام ،1999 ساندته ليفني، ليس فقط لأنه أحد أصدقاء ومريدي والدها، ولكن أيضا باعتبار الأفكار اليمينية التي طرحها في مواجهة إيهود باراك، خاصة تعهداته بتصفية المقاومة الفلسطينية، وإخضاع ياسر عرفات، ورفض ''الضغوط'' الأميركية فيما يتعلق بالمستوطنات اليهودية·
وحظيت ليفني بثقة شارون، فاختارها وزيرة للتعاون الإقليمي في حكومته الأولى (2001)، ثم أسند إليها وزارة الاستيعاب واستقبال المهاجرين الجدد في حكومته الثانية (2003)، قبل أن تتولى حقيبة العدل في حكومته الثالثة (2004)، وأخيرا تم اختيارها من طرف أولمرت (نائب ش