لقد بات فشل المحتل الأميركي في العراق جلياً، بعد أن ارتفعت نسبة الانتحار بين جنوده· غير أن الإدارة الأميركية -لأمور نعلمها أو نجهلها- تصر على البقاء حتى تتسنى لنا فرصة الانسحاب بطريقة تحفظ ماء وجهها، إذ لا يليق أن ينسحب جيش الإمبراطورية الأميركية انسحاب المهزوم، بل يضع خططه لينسحب انسحاب المنتصر، بعد أن جرّ معه جيوشاً من شتى أصقاع الأرض كي يتوج حملته على العراق بكافة الخبرات الحربية· زمان الإمبراطوريات -زمان الذل والاستعباد- قد انصرم وانحسر، وأفل نجمه إلى غير رجعة، فما قامت إمبراطورية غربية إلا على إذلال قادتها لشعوبهم وللشعوب المحتلة على السواء، ومن يقرأ التاريخ يجد صدق ذلك·
أما في عصر العولمة، فشعوب العالم قاطبة، تجنح إلى الحرية وترفض الاستعباد وتنأى عن الذل، والقرن الحادي والعشرون سيشهد قوة كلمة الشعوب وسيطرتها بعد أن كانت ترضخ وتنحني من قبل، ولذلك من المستحيل أن يعود عصر الإمبراطوريات، فمن سيرضى أن يُهدر دم فلذة كبده في سبيل تحقيق مطمع لنظام أو لزعيم متعنت، ومن سيوافق على إراقة دماء شعب بريء بسبب أطماع شخصية، لا سيما وقد أفاقت الشعوب من غفوتها واستيقظت من سباتها، وأدركت فداحة خسارتها لتحقق مطامح من يتشدقون بالسلام ليشعلوا نيران حروب تحقق لهم مكاسب جمة· الاحتلال الأميركي للعراق قد أوقع بالعالم خسائر كثيرة، وللمنطقة العربية خاصة، وحصلت أميركا -نفسها- على نصيب وافر من تلك الخسائر المادية والمعنوية، وكذلك أماط اللثام وكشف النقاب عن الوجه الحقيقي لأميركا كمستعمر لا معمّر، لذلك ينبغي لأميركا أن تبادر بالخروج الفوري من العراق، لعلها تضمد الجروح النازفة، وبعد الخروج تبادر إلى تعمير ما دمرت ثم تقدم تعويضات لأسر ضحايا هذه الحرب من أبناء الشعوب العربية والأوروبية والأميركية·
وأخيراً تعتذر للعالم أجمع على أكاذيبها التي بررت بها احتلال العراق، وبعد ذلك تتعقل في مسيرتها المستقبلية حتى تنعم الشعوب بالسلام· وكفانا دماءً ورعباً وهلعاً، فبالله عليكم أي فائدة جناها العالم من هذه الحرب وغيرها؟!
سليمان العايدي- أبوظبي