اليوم آخر أيام الدعاية الانتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد غد سيجد الناخبون الفلسطينيون أنفسهم أمام صناديق الاقتراع، كي يشاركوا في انتخابات تشريعية تشكل علامة فارقة ومنعطفاً بالغ الأهمية، ليس فقط بالنسبة لتطور نظامهم السياسي بل ولمستقبلهم·
هذه الانتخابات يمكن أن تكون بداية عملية إصلاح وتغيير، عميقة وشاملة وواسعة النطاق· وإذا كان الفلسطينيون يتفقون على أهميتها القصوى، فإنهم لابد وأن يتفقوا كذلك على أن ثمة مكاسب متوقعة من إجرائها بصرف النظر عن أي نتائج تفرزها صناديق الاقتراع·
من أبرز المكاسب المتوقعة تشكيل برلمان قائم على تعددية سياسية تعكس مختلف وجهات النظر في المجتمع، على ضوء توقعات المراقبين السياسيين واستطلاعات الرأي· ومنذ اتفاقات أوسلو المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل عام 1993 جرت مياه كثيرة تحت الجسور، وأجريت انتخابات 1996 بمشاركة منفردة تقريباً من جانب حركة ''فتح''، بينما قاطعتها حركات ومنظمات أخرى من بينها ''حماس''· أما هذه المرة فمن المنتظر أن يكون هناك تمثيل لكل الأطياف السياسية في البرلمان، وهذا من شأنه أن يساعد على تدعيم أركان الديمقراطية وإعادة بناء النظام السياسي والحد من الفساد وسوء الإدارة وإنهاء الفوضى الأمنية وتعدد السلطات·
وخلال السنوات العشر الماضية كان الهدف الرئيسي للمعارضة تقويض السلطة الفلسطينية، لكن حين تدخل المعارضة إلى المجلس التشريعي سيتعذر عليها العمل ضد السلطة بوصفها ''غير شرعية''، وستضطر للتعبير عن موقفها من خلال التصويت، وستكون مرغمة على الالتزام بما يصدر عن البرلمان، لأن تمكن أي قوة سياسية من دخول البرلمان يعني بداهة تسليمها بالمرجعية السياسية لهذه المؤسسة· وحتى إذا رفضت المعارضة المشاركة في المفاوضات مع إسرائيل فلن تحاول منعها بأساليب غير ديمقراطية وإن كانت مشروعة مثل المقاومة المسلحة، ولن تكون ثمة مشكلة في أن تواصل السلطة التفاوض مع إسرائيل لأن هناك إجماعا على الحد الأدنى في الوقت الراهن بين الفصائل والحركات الفلسطينية على القبول بدولة داخل حدود ·1967
إذن، خلافاً للهواجس والمخاوف التي تعبر عنها قوى دولية من الاتجاه نحو التطرف وإضعاف السلطة في حالة فوز ''حماس'' وتيارات أخرى معارضة، يمكن توقع تعزيز الشرعية الفلسطينية عندما تسمح الانتخابات التشريعية بوجود منافسة ورقابة برلمانية قوية، تتيح طرح قضايا ساخنة كالفوضى وتعزيز الأمن وسلطة القانون والتهدئة مع الجانب الإسرائيلي، إلى جانب قضايا مفاوضات التسوية النهائية·
وهكذا إذا وضع الناخبون الفلسطينيون نصب أعينهم أن لهذه الانتخابات مكاسب ستعود عليهم جميعاً بالنفع بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية وتوجهاتهم السياسية، فإن نتائجها أياً كانت ستصبح إضافة جديدة ومهمة إلى رصيد كفاحهم في سبيل الحصول على حقوقهم الوطنية المشروعة·