في عام 1864 وصل الأمر إلى تدخل رئيس الوزراء البريطاني ''بنجامين دزرائيلي'' Benjamin Disraeli ليوضح أن النزاع حول نظرية أصل الأنواع يدور في الواقع حول سؤال: هل الإنسان قرد أم ملاك؟ وهذا من وجهة نظر علم الأنثروبولوجيا خطأ منهجي فالإنسان ليس قردا ولا شيطانا ولا ملكا، بل هو بشر ممن خلق·
وفي عام 1865 بدأ العلم يدلي بدلوه فتقدم الراهب ''جريجوري مندل'' في أطروحة له لم تلفت النظر عن نتائج عمله على البازلاء، في تجارب التصالب والتهجين، أن الصفات الوراثية تنتقل عبر الأجيال في ثلاثة قوانين، ولم يكن أحد يعرف شيئا عن مكونات الخلية والكود الوراثي·
وفـي عام 1890 شن فريق من الكونجرس الأميركي حملة على باحث التطور الأميركـي ''أوثنيل مارش'' Othniel Marsh أجبرته على الاستقالة من كل مناصبه·
وفــي عام 1901 جاء الجواب في التطور العلمي هذه المرة من هولندا حيث اكتشف ''هوجو دي فريس'' قوانين مندل مجددا، وأومأ إلى قانون الطفرة الوراثية المسؤولة عن التغيرات العفوية في المادة الوراثية، وأنها المحرك الرئيسي في التطور· وهو يذكر بالعمل الجبار الذي قامت به ''بابارا مك كلينتوك'' في كشفها عن تبدل الجينات، وأنها ليست ثابتة مثل حبات اللؤلؤ في جيد حسناء، الذي نالت عليه جائزة نوبل لاحقا·
وفي عاـم 1940 قام كل من ''ثيودوسيوس دوبسانسـكي'' Theodosius Dobzhansky و''إرنست ماير'' Ernst Mayer بعدة خطوات، فأسسا نظرية التطور الجديدة التركيبية، وتعتمد مزيجا من الطفرة والانتخاب الطبيعي فهما يكملان بعضهما بعضا في تشكيل الأنواع·
وفي عام 1953 جاء التحول وفتح الفتوح فقد تقدم كل من ''جيمس واتسون'' James Watson و''فرانسيس كريك'' ًFrancis Cric بموديل الكود الوراثي، وأخذ لقب اللولب المزدوج ونالا عليه لاحقا جائزة نوبل، وإن كنا عرفنا لاحقا أنهما سرقا بالتعاون مع ثالث جهد عالمة ماتت بسرطان الثدي هي ''روزاليند فرانكلين'' فهي التي طورت تقنية كشف المادة الوراثية بالأشعة السينية، ولا نعرف إن كان جهدها ومتابعتها تحت هذه المادة الحارقة هو الذي قاد إلى إصابتها بالسرطان ومن ثم موتها المبكر عن 37 سنة؟
وفي عام 1987 أصدرت المحكمة العليا في أميركا قرارها بتدريس نظرية دارون في المدارس، وإزاحة النظرية التقليدية، ويومها تشكلت حركة التصميم الذكي ID = Intelligent Design التي حاولت الاتشاح بثوب علمي كاذب· حدث هذا بعد صدمة السبوتنيك، عندما سبق الروس الأميركيين في أبحاث الفضاء، فعمدت أميركا إلى تغيير مناهج التعليم، ومنها فرملة الاتجاه الديني التقليدي الذي يحد من العمل العقلي في مناهج التربية والتعليم·
وفي عام 1995 بدأت الردة المضادة لنظرية التطور ففي ألاباما أصبحت كتب التدريس تنص على أن نظرية التطور موضوع متنازع حوله، ولا تمثل الحقيقة النهائية·
وفي عام 1996 أوعز البابا يوحنا بولس الثاني في رسالة له إلى الأكاديمية البابوية للعلم أن ينظر إلى نظرية التطور أكثر من كونها افتراضا، وأنها تتوافق مع ما جاء في قصة الخلق الإنجيلي·
وفي عام 2005 يعترض 11 من الآباء في بنسلفانيا على تدريس نظرية التصميم الذكي أو الخلاق، وألا تعتمد كحقيقة نهائية في التدريس، وأن يبقى في الصف المجال للنقاش الحر بدون إيديولوجيا مسيطرة·
هذا التطور في انتقال الأمر من مرحلة إلى مرحلة يعطي فكرة عن الصراع الفكري حول نظرية التطور وأنها لم تصبح علما نهائيا، في الوقت الذي تشن الأيديولوجيات الدينية الحرب عليها بخيل ورجال وأموال وتسخر المعاهد العلمية لهذا الغرض، وهي تذكر بالقصة القديمة التي حدثت في روسيا حينما استبدل ستالين عالم الوراثة ''أفيلوف'' Avilow بالحزبي ''ليزانكو'' ,Lizanko فستالين رأى أن تغير الإنسان بالاقتصاد، وعلم الوراثة رأى غير ذلك، فتوجب نحر العلم على مقصلة الإيديولوجيا، كما طار رأس ''أنطوان لافوازييه'' وهو أبو الكيمياء الحديثة، في أيام الثورة الفرنسية، وعندما قال أتقتلني وأنا العالم؟ كان جواب القاضي: لا حاجة للثورة بالعلماء؟