إذا كان الإرهاب هو المارد الذي خرج من قمقم ظل سجينه طوال زمن مديد، فإن القمقم ذاته من صناعة أميركية خالصة دون تدخل أو رجوع إلى أيدٍ عاملة من دول شرق آسيا، كما هو الحال مع بضاعة السوق الأميركي·
فالقصص المتواترة من اتجاهات العالم الأربعة عن كوابيس انتهاك حقوق الإنسان لا تحصى، ولم يتوقف الانتهاك عند أميركا بلد القانون، بل انسحب إلى الصين وروسيا وزد عليها دولاً عربية غنية عن التعريف في عدم وجود حقوق إنسان من الأصل·
وقد طالت هذه الانتهاكات آلاف الأبرياء، حتى تحولت منظمات حقوق الإنسان إلى ''كتاب تقارير'' بمعنى أكثر دقة·
ولأن هذه الانتهاكات، من التحقيق مع/ وسجن العشرات، تحقق أمن أوروبا، فقد تجاهلت الأنظمة السياسية هناك أي اهتمام بمثل هذه القضايا الإنسانية المهمة، ولم تعد في علاقاتها مع الدول الأخرى تعير أي اهتمام لمثل هذه الخروقات كما كانت في السابق· وهو الخطأ الذي يؤكده ''كينث ووث'' المدير التنفيذي لمراقبة حقوق الإنسان بقوله ''إن محاربة الإرهاب أمر مهم، لكن استخدام أساليب غير قانونية ضد من يدعى أنهم إرهابيون أمر خاطئ وعكس النتائج···''· لكن المدعي العام الأميركي ''ألبرتو غونزاليس'' رد عليه قائلا إن ''بوسع أميركا إساءة معاملة المحتجزين لديها طالما أنهم غير أميركيين···''!
مثل هذه التصريحات وهذه الاعتبارات حول الأميركي صاحب الدم الأزرق، قد خلقت مثل هذه الحرب غير المتوازية وخلفت أزمات كونية بلا حلول مقنعة· فالنظام الأميركي القائم على تحويل العالم إلى سجن كبير لحماية أمن دولة واحدة، صار يدفع نحو حرب سرية من نوع مختلف سندفع جميعاً ثمنها دون استثناء·
ولعل المعركة الدائرة بين المطالبين باختراق سرية ''غوغل''، الموقع المعلوماتي الأهم على مستوى العالم، والرافضين لذلك، تكشف المدى الذي تحول فيه الساسة الأميركيون إلى أسلوب شرطي رائد في الاعتراف بالعجز والتخاذل، وفي الاستهتار بخصوصية الآخرين وأهمية احترامها!
المفجع أن الدول العربية قدمت ذاتها على أنها صاحبة الفضل في انتزاع الاعتراف الأول وكأنها بيت الانتهاك الأنجح لحق الإنسان في الاحترام، وكأن هذا الاعتراف المهين كان ينقص أميركا للتهرب من رافضي هذه السياسة التترية والاحتماء بأنظمة على تلك الشاكلة·
إذا كان في أميركا وأوروبا ناشطون ورافضون لهذه الأساليب الوحشية الرخيصة، وقد شكلوا جماعات ضغط جعلت من فرص المواجهة ضعيفة، فماذا عن دول شرق المتوسط؟!
لم تكتف هذه الدول بمخزونها الجوفي من الدماء، بل زادت عليها دماء لأشخاص لا علاقة لها بهم سوى أن حقوق الإنسان الأوروبية رفضت مجرد اتهامهم، فكان الحل أن أخذوا إلى جهة تبدو اليوم كأنها لا تعرف من الأصل ماذا يعني إنسان!
كأن التاريخ لا تخلو حقبه من تتار، من أعداء للإنسان وفكره وكرامته، لكن تتار اليوم شقر ولهم باع طويل في ثقافة تناهض الفكر التتري ظاهرياً وباطنياً· الأمر على ما يبدو أبشع بكثير من كل بشاعة التتار وما ارتكبوه من مجازر·
الانتهاك ليس في القتل، إنه في صميم الكرامة حين تنتقص من آخر لمجرد أنه مشكوك في فكره وأنه يحمل اسماً إرهابياً وقلباً إرهابياً، لكن بلا دليل على أن فعله إرهابي·
صعب مشوار نشطاء حقوق الإنسان، لكنه المشوار الأشرف وسط مستنقع تتري عالمي لا ساحل له·