تعرضت لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس الأميركي في نوفمبر الماضي لضغوط من قبل ''الديمقراطيين'' من أجل الشروع في التحقيق ومعرفة ما إذا كانت إدارة بوش قد قامت بتحريف المعلومات الاستخباراتية عن قصد بهدف تبرير الحرب على العراق· وواقع الحال أن أدلة متزايدة تظهر أن إدارة بوش تلاعبت بالأدلة لحشد الدعم والتأييد للحرب التي خططت لشنها·
زعمت الإدارة بأن صدام حسين حاول الحصول على اليورانيوم من النيجر بغرض استعماله في إنتاج أسلحة نووية· وللتحقق من الموضوع أرسلت وكالة الاستخبارات الأميركية ''سي آي إيه'' السفير الأميركي جوزيف ويلسون إلى النيجر في فبراير 2002 ليكتشف في نهاية تحقيقه بألا أساس لهذه التهمة، فبعث تقريرا إلى ''سي آي إيه'' ووزارة الخارجية يبلغهما فيه بأن الوثائق التي استندت إليها الادعاءات غير صحيحة· ومن جهته، توصل جاك بوتي، رئيس فرق التفتيش في العراق التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى الاستنتاج نفسه، وهو أن وثائق النيجر مزورة·
بيد أن إدارة بوش غضت الطرف عن النتائج التي توصل إليها مبعوثها الخاص، مواصلةً ادعاءاتها الخاطئة· وأخبر السفير ''ويلسون'' في وقت لاحق مجلة ''نيو ريبابليك'' بأن إدارة بوش ''كانت تعلم بأن القصة كذبة واضحة''· كا ادعت إدارة بوش بأن أنابيب الألمونيوم التي اشتراها العراق كانت ستستخدم بغرض إنتاج الأسلحة النووية، ولكن وزارة الطاقة الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية نفتا صحة الادعاءات·
ورغم ذلك استمر بوش في التحذير من التهديد النووي العراقي، وكرر وزير خارجيته كولن باول التحذير نفسه أمام مجلس الأمن في فبراير ·2003 وقد ورد الادعاء المغلوط بأن الأنابيب كانت لإنتاج الأسلحة النووية على لسان شخص يدعى ''جو''، وهو أحد عملاء ''سي آي إيه''، وقد حصل على معلومات خاطئة بما في ذلك حجم الأنابيب (نقلا عن نيويورك تايمز، 5 أكتوبر 2004)·
ورغم أن تقرير لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس ''شكك مرارا في قدرات ''جو'' وصدقه، ووصفه بأنه كان عازماً على إثبات صحة نظريته إلى درجة أنه قام بتغيير نتائج الاختبار، وتجاهل التناقض في الأخبار وأقصى الآراء المتعارضة'' (نيويورك تايمز 3 أكتوبر 2004)، فقد استمرت إدارة بوش في تقديم هذه الادعاءات المثيرة للجدل على أنها حقائق مؤكدة· وفي 26 أغسطس 2002 قال نائب الرئيس ديك تشيني أمام المؤتمر الوطني لقدماء المحاربين في مدينة ناشفيل: ''نعلم الآن أن صدام استأنف جهوده من أجل امتلاك الأسلحة النووية''· نجحت الخدعة، واعتقد معظم الأميركيين أن العراق يشكل بالفعل تهديدا لبلادهم· وكان استطلاع للرأي أجرته صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' شاهداً على نجاح الحملة التضليلية، حيث اعتقد 90% من المستجوبين بأن صدام حسين يعمل بالفعل على تطوير أسلحة للدمار الشامل· وعندما عادت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة إلى العراق في نهاية ،2002 ركزت مجهوداتها على أنابيب الألومونيوم، فوجدت أنها كانت ستستعمل لإنتاج القذائف، كما أعلن العراقيون، وليس لإنتاج الأسلحة النووية، ولم تجد دليلاً واحداً على إنتاج الأسلحة النووية·
وعندما كانت القوات الأميركية تحتشد على الحدود العراقية، تجاهل بوش في خطابه أمام الكونغرس يوم 28 يناير تقرير اللجنة الدولية للطاقة الذرية الصادر بيوم واحد قبل ذلك، وركز على الادعاء غير الصحيح قائلاً إن ''الحكومة البريطانية علمت بأن صدام حسين سعى للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من أفريقيا''· وللتعبير عن سخطه وامتعاضه من استعمال بوش للتضليل بهدف شن الحرب، كتب السفير ويلسون في صحيفة ''نيويورك تايمز'' (6 يونيو 2003): ''ليس لي من خيار سوى استنتاج أن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة ببرنامج أسلحة العراق النووية قد تم تزويرها بهدف تهويل وتضخيم التهديد العراقي''·
واليوم ثمة مؤشرات على أنه تم تعمد التضليل بهدف شن حرب على العراق (بات بوكنان، الناشر: ذو ماكلوغلين، 12 يوليوز 2003 )، مؤشرات تدعمها شهادة موظف سابق في ''سي آي إي'' قال لسيمور هورش: ''لقد ترك أحدهم عن قصد شيئا خاطئا يتسرب إلى هنا'' (صحيفة نيويورك تايمز، 27 أكتوبر 2003)!