أصبــح معتـــادا أن تطفــــو قضيــــة التوطيـن علــى سطــح الأحــداث -إعلاميا- بين الفينة والأخرى سواء على خلفية تصريحات بشأن هذا الملف الحيوي، أو بدافع من إعلان مؤشرات رسمية حوله· وليس بالضرورة أن يكون تسلط الأضواء حول الملف في كل من هذه المرات ينطوي على جديد يذكر، حيث يتكرر اجترار الجدل حول حقيقة البطالة بين مؤيد بالأرقام والإحصائيات الرسمية وغير الرسمية، وبين مشكك بالوقائع، وما يعتبره أدلة وبراهين على انتفاء هذه الظاهرة وخلو مجتمع الإمارات من بطالة حقيقية، وبين هذا وذاك يقف فريق ثالث يرى أن البطالة هي ظاهرة مصطنعة أو وهمية ناجمة عن الانتقائية التي يمارسها العاطلون عن العمل في قبولهم للوظائف!!· وكل من الآراء المطروحة في هذا السياق تمتلك من الأسانيد ما يعضّد موقفها، ولكن ما يطرحه الواقع الحياتي ربما يقدم لنا نماذج استرشادية حول حقيقة ما يحدث في هذا الملف، وهنا نشير تحديدا إلى خبر ورد في إحدى الصحف المحلية أمس، حول تقدم طبيبين مواطنين بطلب للعمل في مهنة (مندوب علاقات عامة) في أي جهة، بعد أن باءت محاولاتهما في الحصول على وظيفة بالفشل رغم حصولهما على ماجستير في طب الأسنان، وبحثهما عن وظيفة منذ نحو عام لدى الدوائر الحكومية الاتحادية والمحلية والقطاع الخاص من دون أي رد أو حتى اعتذار!!·
الواضح أن استعداد هذين الطبيبين المواطنين للعمل في وظيفة (مندوب علاقات عامة) ينسف تماما إمكانية تعميم فرضية الانتقائية والشروط التي يتحدث عنها البعض، ولكن الأهم من هذه الجزئية هو أن مشكلة هذين الطبيبين تحديدا تطرح علامات استفهام عديدة ردودها معروفة سلفاً: هل نمتلك في دولة الإمارات رفاهية التخلي عن خريجين يمتلكون هذا المستوى من التخصصية العلمية ونتركهم من دون سقف حماية يوفر لهم الوظيفة المناسبة التي تلائم دراستهم العلمية؟ وما هو مصير مئات الشباب المواطنين الذين تدفع بهم الجامعات سنويا إلى سوق العمل المحلي إذا بقيت الأمور على وضعها الحالي؟ وكيف يمكن إقناع الرافضين لوجود البطالة بأنها حقيقة بل شبح يهدد الأحلام المشروعة لآلاف الشباب في حياة مستقرة؟ وإلى متى يظل ملف البطالة من دون إحصائيات ومؤشرات جادة تسهم في صياغة سياسات حكومية لمعالجة هذه الإشكالية من دون الدوران في فلك الجدل والتشكيك في حقيقة الظاهرة ؟
والمؤكد أن وجود نحو ألفين ومائتي مواطن ومواطنة لديهم اختصاص في مجال تقنية المعلومات، عاطلون عن العمل وفشل هيئة ''تنمية'' في تعيينهم، ووجود مؤشرات واضحة على تسرب شبح البطالة إلى تخصصات مثل الطب والهندسة وغيرها من التخصصات التي نحتاج إليها بشدة، هي في مجملها مؤشرات تستحق الوقوف عندها طويلا، فالمسألة لم تعد تعبّر عن غياب التوافق والانسجام بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل كما يردد الكثيرون، فما يحدث هو مؤشر خطر ينبغي مواجهته ليس بالحزم والقرارات فقط، بل بسياسات واضحة الملامح تعالج المشكلة ابتداء من رصدها إحصائيا وانتهاء بالتعامل معها مرحليا وفق إجراءات واضحة لا تغفل الواقع ولا تتجاهل أخطار تفاقم الظاهرة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae