المجتمع ليس مصدراً للجمود
ليس أمرا نادرا أن نرى كاتبا أو مثقفا عربيا يحمل على الثقافة العربية وعلى الذهنية العربية معتبرا إياها خط الإنتاج الأكثر قدرة على تفريخ التخلف والجمود والماضوية، بل من كثرة ما تم تكرار ذلك في أدبياتنا ''الفكرية''، صار الآن إحدى الأوليات التي ينطلق منها مثقفونا كما لو أنها مسلمة مطلقة الصحة غير قابلة للنقاش، وأكثر من ذلك، أصبح القول بتبنيها على النحو المشار إليه آنفا، أحد طقوس التعميد وتراتيله الضرورية داخل سلك النخبة العربية المثقفة!
ولعل وجه التعقيد والإشكال في هذه الظاهرة كونها لا تستثني حتى كبار المثقفين من ذلك الطقس؛ فكاتب ذو قلم رفيع مثل الدكتور وحيد عبدالمجيد يقع هو أيضا في ذلك الخلط العجيب، كما يتضح من مقاله الأخير ''من يصلح الخلل؟'' (الاتحاد، أمس الأربعاء)، والذي يوجه فيه اتهامات، غير مسندة بدليل ''علمي'' واحد، إلى الذهنية العربية السائدة باعتبارها ذهنية ''لا تحفل بالعلم ولا تدرك عظيم قيمته''! وحيث إن مجرد الاتهام أو حمل الكلام على عواهنه، ليس من منهج العقل أو العلم في شيء، فإنني أعتبر كلام الدكتور وحيد في هذه النقطة مجافيا لروح العلم وأصوله في التحليل والتدليل، ومن ذلك انطلق إلى القول إن المشكلة، كل المشكلة، وأصلها بمراتبه المختلفة، إنما تكمن في النخبة العربية وما يشوب تكوينها من ضعف وانحراف وعاهات أخلاقية دائمة!
فهذه النخبة، وعلى رأسها الفصيل ''الليبرالي''، أخفقت إخفاقا ذريعا في تحقيق ما أعلنته طموحات، تصدرها إلحاق الشعوب العربية بمشروع التقدم العالمي، وتوطين العلوم والأفكار العقلانية الكبرى في بيئاتنا المحلية، وإعادة تأهيل الهياكل التعليمية والعلمية في مجتمعاتنا، وتخليق مناخ ملائم للدفع نحو آفاق العصر···!
الرد التبريري بطبيعة الحال جاهز، وهو الإلقاء باللائمة على المجتمع العربي وثقافته، كوسط غير مؤهل لقبول الثقافة العلمية واستيعابها وتطويرها! حسنا، النظرة البسيطة والدراسة الموضوعية الأمينة، كلاهما تؤكدان أن الإسلام دين العلم والعقل، فماذا عن اليابان ذات الديانة البوذية، والصين بديانتها الكونفوشيوسية، وماذا عن الهند أيضا··· ثم ما موقع ماليزيا ذات الإسلام الناصع من تحليلات الليبراليين العرب؟
كل ما في الأمر أن إخفاق الدول العربية في امتلاك العلوم والتقنيات الحديثة، وحالة الضعف التي عليها واقع البحث العلمي في هذه الدول، إنما تعود إلى السياسات والخطط المتعلقة، وإلى النخب المعنية بالتخطيط والتنفيذ، فهل تطوير البنية العلمية والتقنية هو فعلا إحدى أولويات النخب العربية؟! أشك في ذلك!
خالد ابراهيم- القاهرة