بعد الانتهاء من قراءة كتاب ألكسندر أدلر ''موعد مع الإسلام'' يخيل للقارئ وكأن المؤلف قد انتحل شخصية أحد الدراويش وهو مستغرق في رقصات تسبح في عوالم الخيال والفرضيات الغريبة، ذلك أن القضايا الجيوستراتيجية كانت دائما بالنسبة إليه نوعا من الخروج عن المألوف وطرح النظريات المستفزة·
ومع ذلك يبقى الكاتب الفرنسي البارز وفيا لنهجه وللمنطق أيضا في استنطاق العوامل والمحددات التي يهمشها البعض من أجل إعادتها إلى واجهة التحليل، محاولا استجلاء آفاق جديدة وإمكانات مختلفة تستحق منا النظر والدراسة رغم خروجها في كثير من الأحيان عن المتوقع· وقد درج الكاتب في العديد من تنبؤاته الاستراتيجية على الاعتماد على العناصر الكامنة في الثقافات المختلفة واعتبارها الدينامو الأساسي لعملية الحراك السياسي، والإصلاح الفكري داخل المنظومات الثقافية المختلفة· لذا يذهب أدلر في كتبه السابقة إلى التركيز على المظاهر غير البارزة في الثقافات موضع التحليل، والجماعات العرقية أو الدينية الهامشية التي تشكل أقلية ضمن الأقلية نفسها محاولا تفعيل دورها في خلق حركية جديدة في المجتمعات ورفدها بالأفكار الثورية التي تساهم في خلق ثقافة مختلفة تنتشل تلك المجتمعات من القوالب الفكرية الجامدة· ومن ذلك اهتمام الكاتب مثلا بالأكراد الشيعة، أو بالإسرائيليين الدروز، أو بالأتراك اليهود، وأدوارهم المحتملة في تعزيز ثقافة تسير عكس التيار السائد في مجتمعاتهم·
وبنفس الأرثوذكسية التي ينتهجها ألكسندر أدلر يتناول مسألة الحركات الإسلامية السنية التي يعتبرها الكاتب من أهم القضايا المعاصرة التي تستدعي الدراسة والتحليل· ففي أشكالها الأكثر راديكالية تجد الحركات الإسلامية السنية تعبيرها في أصولية سلفية تنهل من نظريات فقهية متشددة منتشرة في العديد من البلدان سواء كانت عربية أم إسلامية· ويرجع أدلر السبب في نشوء الحركات الإسلامية السنية بأيديولوجياتها الشمولية إلى إخفاق القومية العربية في تحقيق حلم الوحدة، ما فتح المجال واسعا أمام صعود الإسلام السياسي· فقد أدى انهيار حلم وحدة جامعة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية إلى بروز حلم بديل لا يقل مثالية عن الأول يتمثل في إقامة خلافة إسلامية كتلك التي ينادي بها المتطرفون· ومن هذا المنطلق تصبح أيديولوجية الحركات المتشددة التي ينسبها أدلر تحديدا إلى الإسلام السني نظاما فاشيا يسعى إلى محاربة اليهود والصليبيين· ويرى الكاتب أن الأفكار المتشددة لا تنحصر فقط في الدول العربية بل تمتد عبر مساحة شاسعة تعرف في الأدبيات الإسلامية بـ''دار الإسلام'' في مقابل ''دار الحرب'' التي يتعين مواجهتها· وهكذا يتم الانتقال من مجال جغرافي محدود يشمل 300 مليون عربي إلى فضاء أوسع يضم حوالى مليار مسلم يمتد من المغرب غربا إلى إندونيسيا شرقا· ولكي يخفف الكاتب من تركيزه على الحركات الإسلامية كمصدر وحيد للخطر على الغرب، يلفت النظر إلى أخطار أخرى تحدق بالعالم وتتجاوز التهديد الجيوستراتيجي الذي يمثله الإسلام الراديكالي إلى قضايا وجودية متعلقة بالكوارث الطبيعية وظاهرة الاحتباس الحراري، فضلا عن خطر انتشار الأسلحة النووية·
وفي بحثه عن حل يحد من خطر ما يسميه بالإسلام المتطرف ويوفر على الغرب الدخول في حروب قد لا تؤدي الغرض المطلوب منها يدير ألكسندر أدلر وجهه ناحية أطراف العالم العربي راصدا مكامن الأمل من وجهة نظره· وبدلا من انتظار تدخل الغرب للقضاء على ما يراه مظاهر عنيفة في الفكر الإسلامي، يركز الكاتب اهتمامه على الجسم الإسلامي لما يحمل بين ثناياه من بذور للعلاج وتنفيس الاحتقان السائد حاليا· ويعتقد أدلر أن الديمقراطية هي الحل الأنجع لمشاكل العالم الإسلامي، وصمام أمان لابد منه يقي الغرب من مخاطر انفجار الداخل الإسلامي· بيد أن الديمقراطية لن تستنبت في العالم العربي بقدر ما ستبرز في أطراف العالم العربي، وتحديدا في الدول المجاورة مثل تركيا وإيران· وهي الدول المعول عليها كي تجر قاطرة العالم الإسلامي وتقدم النموذج الجدير بالاحتذاء· ويستند الكاتب في نظريته تلك على النجاح التركي في معانقة الحداثة بعدما استطاع الحزب الإسلامي الحاكم حاليا في أنقرة الحفاظ على إرث أتاتورك، ونجح في تقريب الشعوب التركية المعزولة تاريخيا في منطقة آسيا الصغرى من أعتاب الاندماج في الاتحاد الأوروبي· ومن خلال تحليله للنموذج التركي يحرص الكاتب على التفريق بين الإسلام كعقيدة ورسالة والإسلام السياسي كأيديولوجية تسعى للهيمنة والإخضاع معتبرا أن الإسلام في النهاية سينتصر كي يحصل لقاء الإسلام في موعده التاريخي مع الغرب كما جاء في عنوان الكتاب·
وبالرغم من التشدد الحالي للنظام الإيراني، خصوصا مع قدوم الرئيس محمود أحمدي نجاد، فضلا عن المشكلات القائمة بين نظام الملالي والغرب، إلا أن ألكسندر أدلر يرى في إيران أكثر من مجرد بؤرة توتر تهدد محيطها الإقليمي· ويبني الكاتب فرضيته على موقع الإسلام الشيعي في خريطة العالم الإسلامي باعتباره مذهب الأقلية، ولما