في هذا الكتاب يقول مؤلفه الكاتب الصحفي زكي شهاب إن حجم المجموعات المناوئة للوجود الأميركي في العراق ليس بتلك الضخامة التي يتخيلها المرء، إلا أنها لا تزال مع ذلك قادرة على تنفيذ العمليات المؤثرة ضد القوات الأميركية وغيرها من القوات الأجنبية المرابطة في العراق· بل يذهب الكاتب إلى القول إن في وسع هذه المقاومة، إلحاق خسائر جدية بالقوات الأجنبية· وربما تؤيد هذا الاتجاه آراء كثير من المراقبين والمحللين الإقليميين والدوليين، استناداً على قراءة تصاعد موجة العنف والارتفاع المطرد لأعداد الضحايا والقتلى، إلى جانب ارتفاع عدد العمليات العسكرية المنفذة من شهر إلى آخر· وما تعبير كل من دولتي التحالف الرئيسيتين أميركا وبريطانيا عن رغبتهما مؤخراً في خفض عدد قواتهما في العراق، سوى تأكيد آخر على جدية التحليل الذي ذهب إليه الكتاب· ثم يضيف المؤلف قائلاً إن أخبار عمليات العنف عادة ما تكون أهم الأخبار المسيطرة على وكالات الأخبار وشتى وسائل الإعلام، في تغطيتها لما يرد يومياً عن العراق· وليست هذه الهيمنة الخبرية والإعلامية، سوى مؤشر مهم للغاية إلى حقيقة أن استمرار وجود هذه المجموعات وتمكنها من تنفيذ العمليات القتالية، يجعلها جزءا مهما من المعادلة القائمة الآن في العراق·
إلى ذلك يشير المؤلف إلى حقيقة أن عدداً من أبرز رموز ومقاتلي هذه المجموعات، من أمثال أبومصعب الزرقاوي وغيره، هم أجانب في الأصل، وأنهم يواجهون الآن بدرجة ما، نزعة الكراهية لكل ما هو أجنبي بوجه عام، إلا أن بعض المسلمين السنة وجدوا فيهم عوناً ونصيراً لهم في معركتهم ضد الاحتلال، فطغت بذلك رغبة التحالف التكتيكي المؤقت مع هذه العناصر، على مشاعر ونزعة الكراهية للأجنبي· وبالطبع فإن في وسع القوات الأميركية والبريطانية مواصلة حربها ومواجهتها لمقاتلي الجماعات المناوئة، بيد أن كافة شواهد وتجارب التاريخ تثبت أن الجهة التي تشن حرب العصابات عادة تستطيع المناورة، لكونها تخوض حرباً استنزافية وغير تقليدية، فضلاً عن كونها معركة طويلة الأمد مع العدو التقليدي· وبالنسبة لأميركا نفسها، فهناك واقعتان مشهورتان من التاريخ القريب لهزائم عسكرية مشابهة تلقتها القوات الأميركية في فيتنام قبل ما يزيد على ثلاثة عقود، ثم مؤخراً في الصومال خلال عقد التسعينيات· وتحت كل الظروف والأحوال فإن الافتراض القائل بتحول العراق إلى دولة ديمقراطية قادرة على حكم نفسها ذاتياً وصيانة وحدتها وسيادتها الوطنية، إنما يتطلب حلولاً سياسية، لا يبدو أن الولايات المتحدة قد أعدت لها العدة الكافية حتى هذه اللحظة·
وإن كانت ثمة ميزة أساسية لما جاء في هذا الكتاب، مقارنة إلى التحليلات الغربية لما يجري في العراق، فهي معرفة المؤلف الجيدة بالعراق، وتنقله فيه شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وقدرته على استقاء المعلومات من مصادرها الأساسية من بين صفوف المقاتلين أنفسهم· وعلى حد إفادته فإن هناك القليل من المقاتلين ممن يحسبون بين أنصار ومؤيدي الرئيس العراقي السابق صدام حسين· وقال إن من المثير والملفت للنظر، أن غالبية مقاتلي المجموعات المناوئة الآن، من الذين يكنون ألد مشاعر الكراهية والعداء لصدام حسين، إلا أنه تغلب عليهم الآن كراهيتهم للغزو الأجنبي، أكثر مما تغلب عليهم كراهيتهم لغيره·
وعلى رغم حديث الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، عن أهمية تجفيف منابع المقاومة وشل قدرتها على استقطاب المزيد من المتطوعين والمقاتلين، إلا أن من رأي زكي شهاب أن تلك تبقى مجرد رغبة أميركية بعيدة المنال· فالحقيقة هي أن في وسع المقاومة استقطاب العشرات يومياً إلى صفوفها، مستفيدة في ذلك من عاملين رئيسيين يتمثلان في استثمارها للشعور الوطني العراقي· أما العامل الثاني فيرتبط بالسياسات الخارجية الأميركية إزاء المنطقة، وما يربط واشنطن بشبه التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وغير ذلك من سياسات تستهدف المنطقة الشرق أوسطية بشكل عام·
يضاف إلى السياسات نفسها انحياز واشنطن النووي لصالح إسرائيل· ثم هناك مصدر ثالث للقوات والمقاتلين، يتمثل في مئات الآلاف من جنود الجيش العراقي السابق الذين جرى تسريحهم إثر الغزو، فتركوا بلا عمل ولا مصدر رزق، مما يدفعهم مباشرة للانضمام إلى صفوف المجموعات المناوئة ومحاربة الغزو الأجنبي الذي شردهم وحرم أسرهم وذويهم من مصدر الرزق الوحيد الذي يعتمدون عليه· ومن رأي المؤلف أنه كان الأحرى أن توكل لهؤلاء الجنود مهمة يؤدونها في العراق الجديد بدلاً من استعدائهم ضده وتجنيدهم لمحاربته· ويشمل الرأي ذاته أعضاء حزب البعث العراقي، الذين كان ممكناً استقطابهم وإعطاؤهم دوراً في عراق ما بعد البعث وما بعد صدام·
وبحسب المؤلف فإنه ما لم تتم بلورة حلول سياسية للمعضلة العراقية القائمة الآن، باتجاه توحيد الإرادة السياسية الوطنية، وتحقيق المصالحة الوطنية بما يحفظ وحدة العراق ويقيه شر الفتنة والحرب الأهلية، فإن من الأرجح أن يطول أمد بقاء القوات الأمير