بالرغم من الحروب الأهلية والقلاقل السياسية التي يشهدها السودان، إلا أن القطر في طريقه إلى أن يصبح منتجاً رئيسياً للنفط، إن لم يكن قد أصبح كذلك بالفعل· فخلال عام 2002 كان إنتاج السودان حوالى 230 ألف برميل في اليوم وهذا العام سيرتفع الإنتاج إلى 450 ألف برميل في اليوم· ونتيجة لهذا المستقبل الواعد فإن الدول الصناعية تبذل جهوداً مكثفة لحل مشاكل السودان، وأكثر دول الغرب اهتماماً بالسودان هي الولايات المتحدة، فلو حدث وأن هدأت نيران الحروب الأهلية، وحلت مشكلة عدم الاستقرار فإن الباب سيفتح أمام شركات النفط الأميركية للدخول إلى السودان·
إن معظــــم الكميات النفطيــــــة التي نشــــــير إليهـــــا يتــــــم إنتاجــــها عن طريق شركة ,The Greater Nile Petroleum Operating Company وهي تجمّع عالمي يتكون من المؤسسة السودانية الوطنية للبترول (سودابيت) التي تمتلك 5 في المئة من الأسهم، والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط التي تمتلك 40 في المئة، وشركة بيتروناس التي تمتلك 30 في المئة، والمؤسسة الكندية التي تدعى تاليسمان للطاقة والتي كانت تمتلك إلى عهد قريب 25 في المئة من الأسهم، إلى أن اضطرت في أكتوبر 2002 إلى بيع أسهمها تحت ضغط من جماعات حقوق الإنسان الكندية، وقامت مؤسسة النفط والغاز الطبيعي الهندية المملوكة للحكومة بشراء حصة الكنديين·
إن قضية النفط في السودان قد تكون نعمة ونقمة، وهي إلى الآن تبدو وكأنها نقمة أكثر منها نعمة، فمنذ اكتشافه في مناطق الجنوب، وهو يثير تساؤلات إشكالية للسودان وأهله· فهو سيبقى نقمة طالما أن القوى الخارجية ستظل تنظر إليه على أنه قضية أمن قومي بالنسبة لها، وسيبقى اسم السودان مدرجاً في أعلى قوائم الحسابات الاستراتيجية للدول المعنية· ولن يحدث ذلك فقط بسبب سير الأمور نحو اعتماد الدول الصناعية على البترول المستورد من السودان بشكل متزايد، ولكن لأن إنتاج النفط ذاته آخذ في توليد عدم الاستقرار·
وبالتأكيد ليس من شأننا في هذا المقام الحديث عن مشاكل السودان الداخلية، لأننا تطرقنا لها سابقاً في مقالات أخرى، ولكن ما يهمنا قوله هو أنه كلما تدخلت الأطراف الخارجية في شؤون السودان كلما تعاظمت احتمالات أن يقوم النظام الحاكم وجماعات المعارضة بفصائلها المختلفة بتبني مواقف مضادة لتلك الأطراف، وربما يؤدي ذلك أيضاً إلى تزايد ظهور الجماعات المتطرفة التي تجد فرصتها في العمل تحت غطاء من شعارات مكافحة التدخل الخارجي· والنتيجة هي أن السودان هو الذي سيدفع ثمن ظهور موجات عنف متطرفة على أراضيه مما قد يؤدي أيضاً إلى التدخل العسكري الأجنبي المباشر·
إن ما يهمنا نحن عرب الخليج من ذلك هو سلامة السودان وتماسك أراضيه وبقاؤه راسخاً ضمن المجموعة العربية، وبنفس القدر فإنه يهمنا أيضاً حقيقة جديدة في عالم النفط هي أن الدول المستوردة آخذة في الاعتماد المتزايد على مناطق ودول منتجة للبترول كبديل لاعتمادها على بترول منطقة الخليج· وبرغم أن السودان وغيره من الدول الأخرى المنتجة للنفط ليست خالية من القلاقل التي ربما تصبح في يوم ما أشد وطأة من مشاكل الخليج، إلا أن توجه الدول المستوردة، خاصة الولايات المتحدة والصين واليابان لاستيراد حاجاتها البترولية من خارج الخليج يجب أن يدق لدينا ناقوس خطر حدوث تغيرات اقتصادية وأمنية ستكون لها تداعياتها السلبية علينا، إن لم نكن مستعدين لمواجهتها عندما تحين استحقاقاتها·
إن كون البترول نعمة على السودان لأمر محبب لدينا في الإمارات، نتمنى أن يتطور إلى أن يعم الخير أهل السودان جميعاً· ولكن إلى الآن لم يرَ الإنسان السوداني البسيط من البترول سوى النقمة، فمتى ستعملون يا حكماء السودان على أن يعم الخير ويطال أهلكم جميعاً؟ أتمنى أن يحدث ذلك في أقرب وقت ممكن·