طوت الانتخابات العامة التي شهدتها الضفة الغربية وقطاع غزة يوم الأربعاء الماضي، صفحة كاملة من تاريخ الحياة السياسية الفلسطينية وفتحت أخرى عنوانها الصعود الكبير لحركة ''حماس'' التي فازت بأغلبية مطلقة في المجلس التشريعي الوطني الفلسطيني؛ إذ حصلت على 76 مقعدا من أصل 132 هي مجموع مقاعد المجلس، مقابل 43 مقعدا لحركة ''فتح'' التي هيمنت على المشهد السياسي الفلسطيني منذ 40 عاما! فما هي الأسباب وراء صعود ''حماس''؟ وكيف ستتكيف مع وضعية الانتقال من المعارضة إلى السلطة؟ وما هي دلالة التجربة الجديدة في سياق التجارب والمحن التي مرت على ''حماس'' منذ إنشائها؟
قوبل فوز ''حماس'' برفض متفاوت في عواصم العالم، فمع ظهور النتائج الأولية للانتخابات، والتي أظهرت تقدما كبيرا للحركة، سارعت الولايات المتحدة وأوروبا للإعراب عن قلقهما من ذلك التطور؛ وأعلنت واشنطن أنها ''لن تتعامل مع أي حزب فلسطيني يتبنى ميثاقه تدمير إسرائيل''، وكصدى لذلك الموقف، دعت أوروبا الشعب الفلسطيني إلى تبني ''مبدأ الحوار'' و''التفاوض السلمي'' وإلى ''نبذ العنف'' و''كافة أشكال الإرهاب''! وإلى أن يتحقق ذلك، فيتوقع أن تعلق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان مساعداتها المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية! أما داخليا فأعلنت ''فتح'' عن قرار برفض المشاركة في أي حكومة ائتلاف مع قائمة ''التغيير والإصلاح'' الفائزة، فيما يبدو خطوة أخرى رأى البعض أن هدفها محاصرة ''حماس'' وعزلها· فهل سيتحول الفوز إذن إلى مأزق لحركة ''حماس''؟
تعددت التفسيرات وتباينت حول ذلك النصر الانتخابي الكاسح، وسواء أكان مجرد محاولة من الشارع الفلسطيني لمعاقبة ''فتح'' على سوء إدارتها وما ارتبط بها من فساد طيلة حكمها، إضافة إلى أدائها في عملية التفاوض، أو كان ذلك الفوز هو الخيار الحقيقي للناخب الفلسطيني··· فإنه يضع ''حماس'' في مفترق طرق ويطرح عليها أسئلة سياسية بالغة الصعوبة، وهي أسئلة لم تقدم إجاباتها إلى الآن· لكن ''حماس'' ليس هذا أول عهدها بالتحديات والمحن، فقد نشأت ونمت في بيئة حافلة بالمصاعب والمخاطر والتهديدات؛ وتم الإعلان عن إنشاء ''حماس''، وصدر بيانها الأول يوم 15 ديسمبر ،1987 في ظرف تفاقمت فيه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد 5 سنوات على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وفي مناخ الانتكاسات التي أضعفت برنامج الثورة الفلسطينية وخلخلت رؤيته، حيث تراجعت استراتيجية الكفاح المسلح، وتقلص الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وبرزت أطروحات التسوية مع الدولة العبرية··· في هذه الظروف أسس الشيخ أحمد ياسين وعناصر من ''الإخوان المسلمين''، مثل الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار، تنظيما سريا سموه ''حركة المقاومة الإسلامية'' (حماس)· وعلى خلفية العمق العقائدي للحركة ومواقفها التي لا تؤمن بأي حق لليهود في فلسطين التاريخية، تعرضت ''حماس'' لمطاردات عنيفة أدت في عام 1989 إلى اعتقال مؤسسها وقائدها الشيخ أحمد ياسين، ث أبعدت سلطات الاحتلال في عام 1990 أربعة من قادة الحركة، وقامت في عام 1992 بإبعاد 415 رمزا من رموزها إلى جنوب لبنان·
ولم يؤد اعتقال ياسين إلى تفكك ''حماس'' بل تصاعدت هجماتها ضد الاحتلال الإسرائيلي في ظل الإغلاق الذي فرضه على الضفة والقطاع في عام ،1993 وإثر مجزرة الحرم الإبراهيمي في فبراير ·1994
وفي أعقاب قيام سلطة الحكم الذاتي، عانت ''حماس'' مرة أخرى من الاعتقالات والملاحقات، وتم إغلاق العديد من مؤسساتها الخدمية، وواجهت ضغوطا قوية لإلقاء سلاحها· ثم تعرضت ''حماس'' لضربة موجعة باغتيال مؤسسها وملهمها الروحي الشيخ أحمد ياسين في مارس ،2004 وبعد ذلك بأسابيع قليلة قامت إسرائيل أيضا باغتيال خليفته الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي· وطوال السنوات الماضية تعرض عدد كبير من قادة الحركة للاغتيالات بواسطة التقنية الإسرائيلية المتقدمة، لكن ذلك لم يؤثر على الزخم الذي تمتعت به الحركة داخل الشارع الفلسطيني، كما لم تدفعها مضايقات السلطة إلى التخلي عن ''حرمة الدم الفلسطيني''، وكثيرا ما ساهمت في درء فتنة فلسطينية داخلية بدت وشيكة كل مرة·
ولعل ذلك السلوك عزز من صورة ''حماس'' كفصيل مسؤول و''حريص على الصالح الوطني العام''، فكان فوزها بنسبة 60% من الأصوات خلال الانتخابات البلدية العام الماضي، كما نالت في الانتخابات النيابية الأخيرة نحو 80% من أصوات الناخبين·
بيد أن ثمة انتقادات وتساؤلات عديدة تواجهها ''حماس''؛ من ذلك كونها لم تعلن برنامجا سياسيا واجتماعيا يجيب على قضايا المرحلة، ولم توضح تماما موقفها حول ما ستكون عليه عملية التسوية السياسية، وما هو مصير الاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما لم تحدد أولوياتها للمرحلة المقبلة وبرنامج حكومتها المرتقبة! إضافة إلى أسس التعايش ومساحة الصلاحيات وتقاسمها مع محمود عباس كرئيس للسلطة الوطنية، يرى أن ''خريطة الطريق''، وضمنها ''رؤية بوش''، هي المرجع