تخيلوا كيف سيبدو الفضاء في المستقبل القريب، حشد من ''الروبوتات'' الصغيرة تقفز برجل واحدة من مكان إلى آخر فوق سطح كوكب المريخ مثل الطيور· وستقوم تلك الآلات التي يعكف العلماء على تطويرها حاليا بالتنقل السريع عبر الأماكن الوعرة في الكواكب، والدخول إلى الكهوف بحثاً عن أدلة تؤكد وجود حياة على الكواكب التي سيتم استكشافها من خلال تعقب بقايا الميكروبات القديمة· وبالإضافة إلى ''الروبوتات'' صغيرة الحجم ورشيقة الحركة يمكن أيضا تخيل أجنحة ترفرف فوق كوكب الزهرة وتجوب الأجواء بحثاً عن الجزيئات العضوية الدقيقة التي تدل على إمكانية وجود أنواع مختلفة من الحياة· ويتوقع العلماء أن يعج النظام الشمسي في القريب العاجل بـ''الربوتات'' الصغيرة التي تقفز وتتحرك مثل الحشرات تحلق فوق الكواكب البعيدة وتقلب الأماكن القصية التي شكلتها الحمم البركانية، أو الجدران الصخرية لاستكشاف تلك الكواكب وجمع المعطيات الدقيقة عنها·
هذا ما سيبدو عليه الفضاء في المستقبل المنظور· فبينما تعمل وكالة الفضاء الأميركية جاهدة على إعادة تجربة صعود البشر إلى سطح القمر، يحاول العلماء والمهندسون في المختبرات عبر امتداد الولايات المتحدة إطلاق العنان لخيالهم من أجل تصميم آلات قادرة على استكشاف المناطق البعيدة في نظامنا الشمسي· وإذا كانت العراقيل الوحيدة التي يمكن أن توقف مسيرة العلماء في هذا الاتجاه تتمثل في قوانين الفيزياء الثابتة والجهات الممولة التي توقع الشيكات، فإنه لحد الآن استطاع العلماء تطويع القوانين الفيزيائية، ولم يبق أمامهم سوى البحث عن ممولين· وللوهلة الأولى يبدو وكأن الأفكار التي يسعى المهندسون إلى ابتكارها مستمدة من إحدى روايات الخيال العلمي، التي لا تمت للواقع بصلة، لكن مع التطورات العلمية الجديدة، خصوصاً في مجال البرمجيات فائقة الذكاء، والإلكترونيات متناهية الدقة أصبح من الممكن تنفيذ تلك الأفكار وبلورتها على أرض الواقع· وفي حال تم تصميم تلك ''الروبوتات''، فإن من شأنها إحداث ثورة حقيقية في مجال استكشاف الفضاء، لا سيما إذا ما تم إدماج هذه الآلات الصغيرة مع نظيراتها التقليدية التي دأبت على النزول فوق سطح الكواكب، ما سيمكن العلماء من إجراء الأبحاث دونما الحاجة إلى إرسال البشر إلى المريخ أو الزهرة·
ومع تقدم الأبحاث ستتولى الروبوتات تحديد أجندتها الخاصة لاستكشاف الكواكب بما في ذلك الأماكن التي يتعين جمع المعطيات حولها· ومع أن الشروع في إنجاز هذه الأفكار وإخراجها إلى حيز الوجود يظل باهظ التكلفة، إلا أن ذلك يبهت بالمقارنة مع حجم المعلومات الهائل الذي سيتم استخلاصه في كل رحلة تقوم بها ''الروبوتات''· وفي الوقت الحاضر تقتصر الرحلات الحالية التي تقوم بها وكالة الفضاء الأميركية إلى كوكب المريخ على إرسال مركبات فضائية للبحث عن مواقع للهبوط، ثم إنزال آلية فوق الموقع المحدد على الكوكب بعد 16 شهراً· وحتى عندما تجري المهمات الفضائية الحالية قياسات دقيقة، إلا أنها تبقى محصورة في الأماكن غير الوعرة التي يسهل الوصول إليها· ولأن الكواكب مليئة بأماكن أخرى أكثر أهمية، فإنه غالبا ما يتم تكرار تلك الرحلات مرارا بهدف جمع المزيد من المعلومات التي لم يتسنَ توفرها في المرات السابقة· غير أن ذلك سيتغير تماما في المستقبل القريب، حيث يؤكد كل من ''وولفجانج فينك''، الفيزيائي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وزميله ''جيمس دوهم'' من جامعة أريزونا بأن المستقبل سيحمل ابتكارات أكثر دقة تمكن من استكشاف جديد للكواكب البعيدة· وحسب ما أوردته دورية ''علوم الكواكب والفضاء'' سيتم إرسال آلات صغيرة أقل تكلفة إلى الكواكب مزودة بمجسات للاستشعار لجمع المعلومات والتنسيق مع المركبة الفضائية التي ستكون في مكان ما على سطح الكوكب· وستتولى الروبوتات عملية التنقيب في أمكان مختلفة ليتم بعدها نقل المعلومات إلى المركبة الفضائية، فضلا عن قدرة ''الروبوتات'' على التعامل مع الظروف المستجدة من تلقاء نفسها دون الرجوع إلى توجيهات العلماء على الأرض·
وتقوم وكالة الفضاء الأميركية بتمويل المشاريع والأبحاث التي ترمي إلى تصميم ''الروبوتات'' الصغيرة، حيث بدأ بالفعل ظهور الجيل الأول منها في مختبرات العلماء· وفي هذا الصدد أوضح ''ستيفن دبوسكي'' و''بيني بوستن'' المشرفان على مشروع الروبوتات الصغيرة أن الهدف هو اكتشاف الحياة على سطح الكواكب من خلال رصد الإشارات المعدنية التي تخلفها الميكروبات وراءها· ويستدعي ذلك استكشاف مناطق وعرة مثل الكهوف والشقوق، فضلا عن الأنفاق الطبيعية والحمم البركانية المتجمدة، ثم كافة الأماكن المغطاة التي ربما لم تتعرض فيها الجزيئات العضوية الدقيقة للإشعاع· وقد تمخض التعاون بين العالمين عن تصميم ربوتات صغيرة بحجم كرة المضرب يتم تشغيلها بواسطة خلايا صغيرة للوقود، حيث من المتوقع أن تنتشر في عدة أماكن على سطح الكوكب بحثاً عن المعلومات الدقيقة؛ كما ستقوم بالتنسيق مع بعضها البعض والتواصل مع المركبة الفضائية· ولأن حجمها صغي