على الرغم من أن الانتخابات البرلمانية الفلسطينية الأخيرة، قد نظر إليها على نطاق واسع، على أنها نموذج للممارسة الديمقراطية -رغم إجرائها في ظروف الاحتلال الإسرائيلي البالغة الصعوبة- فإن ردة الفعل الغربية والإسرائيلية تجاه الفوز الساحق الذي حققته حركة ''حماس'' فيها، جاءت رافضة وسلبية لها· فمن جانبها أعلنت الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية، عزمها وقف كافة المساعدات المقدمة من جانبها للسلطة الفلسطينية المفلسة سلفاً، فيما إذا كانت ستديرها أو تسيطر عليها ''حماس''، ما لم تعلن هذه الأخيرة نبذها للعنف وتعترف بحق إسرائيل في الوجود· فهل يا ترى تعد ردة الفعل هذه ملائمة في مواجهة تشدد حركة ''حماس''، أم أنها امتداد لتعامي الغرب وإسرائيل وتجاهلهما لحقيقة التطورات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط؟
في سعي بعض المحللين إلى إيجاد تفسير لصعود حركة ''حماس'' كقوة سياسية رئيسية الآن في السياسات الفلسطينية، أشار هؤلاء إلى مظاهر الفساد والتهالك التي اعترت حركة ''فتح''، بصفتها الحركة الوطنية الرائدة، التي سادت الساحة السياسية الفلسطينية منذ منتصف عقد الستينيات· ولا شك أن في هذا التفسير جزءًا من الإجابة والحقيقة· فعلى نقيض حركة ''فتح''، قدمت ''حماس'' نفسها للجماهير الفلسطينية على أنها حركة أكثر تنظيماً ونزاهة واستقامة وديناميكية، فضلاً عن بنائها لشبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية، التي ساعدت على نحو أو آخر، في تخفيف الضغوط ومصاعب الحياة التي عاناها الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي· إلى ذلك أشار مراقبون آخرون إلى أن ما يسمى بـ''عملية السلام'' التي جرى التفاوض حولها بين الطرفين تحت رعاية الولايات المتحدة الأميركية منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في عام ،1991 لم يجن الفلسطينيون منها شيئاً يذكر، ولم تحقق الآمال الوطنية التي علقت عليها· بل وعلى النقيض تماماً، فقد تواصل زحف الاحتلال الإسرائيلي وتوغلاته إلى عمق الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، دون انقطاع أو توقف· ففي العام 1991 الذي انعقد فيه مؤتمر مدريد، كان هناك أقل من مئة ألف مستوطن يهودي في أراضي الضفة الغربية· أما اليوم فقد بلغ عدد المستوطنين هناك، نحو 260 ألفاً، إلى جانب حوالي 200 ألف آخرين في مدينة القدس الشرقية· وكانت ''فتح'' من الضعف والهزال وانعدام الحيلة، بحيث لم يكن في مقدورها وقف هذه التوغلات الإسرائيلية أو حماية المواطنين الفلسطينيين من عسف الاحتلال الإسرائيلي وبطشه· وفي هذا الضعف ما يفسر جانباً آخر من جوانب بروز حركة مقاومة مسلحة مثل ''حماس''·
بيد أن هناك عاملاً آخر على قدر كبير من الأهمية في تفسير هذا الصعود، طالما تعمد الغرب عدم الأخذ والاعتراف به· ويتلخص هذا العامل في أن ''حماس'' -وعلى رغم سوء سمعة التفجيرات والعمليات الانتحارية التي تنفذها ضد المدنيين والأهداف الإسرائيلية- فإنها لم تكن في واقع الأمر سوى ردة فعل على سياسة عنف الدولة المستمر، التي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين وقادتهم· وإنها لحقيقة لا مراء فيها أن العنف لا يولد إلا العنف المضاد، وأن إرهاب الدولة والإرهاب الذي تمارسه الجماعات المسلحة، ليسا سوى وجهين لعملة واحدة، أو انعكاس للوجه نفسه في المرآة· وبهذه المناسبة يجدر الذكر أن الرئيس الأميركي جورج بوش دعا ''حماس'' إلى نبذ العنف والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود· لكنه أخفق في دعوة إسرائيل إلى نبذ إرهاب الدولة والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة لهم، تكون عاصمتها القدس الشرقية! فما فائدة النداء المبتور··· وما قيمة الاعتراف بحق طرف مع الافتئات على حقوق الطرف الآخر؟
من جانبهم يزعم الإسرائيليون أنه ما من سبيل للمقارنة أو المماثلة الأخلاقية بين العنف الذي تمارسه دولتهم والعنف الممارس عليهم من قبل خصومهم وأعدائهم· غير أن الحقيقة الدامغة هي أن القتل لا يسمى إلا قتلاً، وأن سفك الدماء لا يكون إلا كذلك، سواء تم على يد الحكومة الإسرائيلية أم بيد أحد المستوطنين اليهود، أم بسلاح ومتفجرات حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة مثل ''حماس''· ولذلك فإن ما تعكسه صورة العنف والعنف المضاد هذه، هو أنه وفي حالة الاحتراب الدائر غير المتكافئ الأطراف ما بين إسرائيل والفلسطينيين، تسعى بعض التنظيمات والحركات غير الحكومية- كما هو حال ''حزب الله'' في لبنان وحركة ''حماس'' في فلسطين- لتأسيس نظام ما للردع المتبادل مع إسرائيل· ويتمحور هذا النظام حول الرسالة البسيطة التالية: ''إن قتلتمونا··· قتلناكم بالمثل''!
والمعروف عن إسرائيل أنها تنتهج سياسة اغتيال وتصفية القادة، وسيلة لاستئصال حركة ''حماس'' ومحوها من الوجود· غير أن الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، أثبتت عقم هذه السياسة ولا جدواها، لكونها لم تثمر سوى النقيض· ولنسأل إسرائيل اليوم عن الذي جنته من قتلها للشيخ أحمد ياسين، بصاروخها الآثم الذي وجهته إلى جسد ذلك الرجل المشلول المقعد، وعما جنته من قتلها لخلفه الدكتور الر