البيان المشترك الذي صدر عن اجتماع ''الخمس الكبار'' في لندن بشأن الملف النووي الإيراني يعتبر أهم خطوة يتخذها المجتمع الدولي حيال هذا الملف منذ سنوات، لأن البيان يعكس انضمام روسيا والصين إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المطالبة برفع الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، بعدما أزالت طهران أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مراكز أبحاث نووية في أراضيها، وهو ما عزز مخاوف المجتمع الدولي من سعيها الدؤوب إلى حيازة السلاح النووي·
هذا الموقف الموحد الذي تم التوصل إليه بعد محادثات استمرت أربع ساعات في لندن، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب وزير الخارجية الألماني والمنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، يمثل نجاحا ملحوظا لدبلوماسية ''الترويكا'' الأوروبية، التي خاضت جولات من المفاوضات بلا طائل للأسف مع إيران، حتى اقتنع الجميع بأن المفاوضات ربما تتحول إلى مجرد مناورات بغرض التسويف واستنزاف الوقت، ولا يمكن لأي مفاوضات بشأن أي قضية أن تكون غاية في حد ذاتها، بلا إطار زمني يكفل بلوغها الهدف النهائي في وقت محدد، وبالتالي تخلت موسكو وبكين فيما يبدو عن تحفظاتهما السابقة فيما يتعلق بالبدء في المضي على طريق اتخاذ إجراءات إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن·
لذلك تبدو نتائج اجتماع لندن منطقية ومتسقة مع ما وصلت إليه المفاوضات من طريق مسدود، ومن ثم حمل بيان ''الخمس الكبار'' المشترك رسالة قوية وحازمة إلى إيران فحواها أن الخمس الكبار بل والمجتمع الدولي كله أصبح يتبنى موقفا موحدا تجاه ملفها النووي، بما يلزمها بتدبر الأمر مليا، وإدراك أنه من الواجب عليها الآن وقف أو على الأقل تجميد نشاطاتها النووية الحساسة·
وعلى الرغم من محتوى الرسالة الواضح، فإننا نعتقد أنها لا تعني نهاية الجهود الدبلوماسية، فالفرصة لا تزال متاحة أمام مواصلة أو استئناف الجهود السياسية، ومن الممكن الإبقاء على باب الدبلوماسية مفتوحا، لأن اتفاق لندن بين ''الخمس الكبار'' يقضي بتأجيل أي تحرك لمجلس الأمن بشأن هذه القضية الشائكة إلى مارس المقبل على أقل تقدير، حين ينعقد اجتماع جديد لمجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد اجتماعه المقرر عقده غدا·
ونأمل أن تغتنم كل الأطراف هذه الفرصة السانحة لتكثيف الجهود السياسية الدولية من أجل إقناع طهران بضرورة العمل على تسهيل التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة، حفاظا على مصالحها القومية وأمن واستقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط بأسره·