الذي فعلته صحيفة ''جيلاندز بوستن'' الدنماركية أنها نشرت في سبتمبر الماضي إثنى عشر رسما كاريكاتوريا أثارت غضب المسلمين داخل الدنمارك وخارجها وخصوصا تلك التي تشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو يعتمر عمامة على شكل قنبلة·
على الرغم من مرور أشهر على المشكلة إلا أنها تفاعلت في الأسابيع الماضية وتفجرت في الأسبوع الماضي بالتحديد ولم تتوقف ''مسجات المقاطعة'' بخصوص البضائع الدنماركية والملفت في تلك الرسائل القصيرة هو أن قائمة البضائع الدنماركية تزداد يوما بعد يوم والغريب أن هناك بضائع ما زلت لا أعتقد أنها دنماركية ولكنها جاءت ضمن قائمة البضائع ''المطلوب مقاطعتها''···
هذه ليست أول إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم وقد لا تكون الأخيرة والمؤسف أن كل ما يوصف به الرسول بسبب تصرفات بعض المسلمين وبسبب بن لادن وأصدقائه الإرهابيين الذين شوهوا صورة الإسلام والمسلمين والذين تجنوا على الرسول وادعوا أن كل أفعالهم الإرهابية القبيحة تأتي من منطلق توجيهات النبي محمد وهو بريء منها ومنهم··· حتى صار العالم يعتقد أن الإسلام هو هذا الذي يمارسه بن لادن والظواهري والزرقاوي والإخوان المسلمون والسلفيون وآخرون ممن عكسوا صورة مشوهة عن الإسلام· يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونعترف أننا سبب تلك الرسومات وأن أية إساءة للرسول أو للدين الإسلامي إنما هو بسبب المسلمين الذين صاروا يعكسون أسوأ صورة عن الإسلام وبسبب بعض العرب أيضا الذين لا يكونون أمينين في نقل حياة الرسول وسيرته·
وواضح أن هذا الموضوع تم تضخيمه كثيرا وأخذ أكثر من حقه وصارت الإساءة للرسول مضاعفة عدة مرات فهل بعد هذا ''الغضب العربي العارم'' سنستطيع أن نحرك ساكنا أو نغير واقعا؟! وواضح أن هناك من يعمل على تأجيج هذه المشكلة ويستفيد من نتائجها سواء على الصعيد السياسي أو التجاري أو الأيديولوجي فلماذا نسمح لهم بذلك؟··
أما الأسلوب الذي اتبعه البعض في تهييج الجماهير فلم يكن سليما والدور الذي لعبته بعض وسائل الإعلام لم يكن حكيما فالشارع العربي ليس بحاجة إلى من يستثيره بل من يهدئه ويدله على الأسلوب المناسب في التعامل مع هذه المشكلة حتى يستطيع أن يكسب قضيته العادلة··· وبسبب تلك الإثارة حدث الذي كنت أخشاه في هذه الأزمة فقد دخلت الجماعات الإرهابية على الخط وصارت تفتي بالشر وتهدد بتخريب المصالح الدنماركية وهذه مشكلة كنا نحن والدنمارك في غنى عنها فالعالم لا ينقصه إرهاب جديد بسبب رسام جاهل أو صحيفة قصيرة النظر·
قد يتفق البعض مع أسلوب المقاطعة وقد يعترض عليه البعض الآخر ويراه غير سليم كما يتفق البعض مع تلك الرسومات ويراها عادية وتعبيراً عن موقف شخصي! وفي رأيي أن أسلوب المقاطعة - وإن كان مؤثرا- ليس هو الأسلوب الصائب دائما ولا يجب الاعتماد عليه في كل أزمة وخصوصا إذا ما كانت القضية يمكن تحريكها بطرق أكثر كفاءة وفاعلية··· وعلى سبيل المثال في مثل هذه القضية هناك كثير من الأنظمة والقوانين في الأمم المتحدة يمكن استخدامها لإيقاف تشويه أو أية إساءة للدين الإسلامي أو الأديان الأخرى··· وقد صدر قانون في عام 2004 يدعو إلى مناهضة تشويه الأديان ولو تم العمل بشكل هادئ ومكثف على هذا الموضوع لاستطعنا حماية الإسلام وغيره من الأديان من عبث العابثين··· وهذا يجعلنا نؤكد من جديد على أننا يجب أن ندرك أننا نعيش في زمن لا مكان فيه لأصحاب ردود الأفعال فهذا زمان أصحاب الأفعال الذين يأخذون بزمام المبادرة وينطلقون فيما يريدون بشكل علمي مدروس وبشكل حضاري··· وليس زمان من يستيقظون من سباتهم العميق على أول صفعة على وجههم ثم يعودون في سبات عميق حتى يأتيهم ''البوكس'' الآخر!!
وما لا يمكن أن نتجاهله هو أن الحكومة الدنماركية تتحمل جزءاً من الأزمة التي بدأت تكبر الآن بسبب استخفافها بالمشكلة منذ البداية وعدم تحركها لاحتوائها على الرغم من وجود متسع من الوقت لذلك واكتفائها باعتبار ما قامت به الصحيفة هي ''حرية تعبير'' يكفلها الدستور الدنماركي··· ولو لم يرفض رئيس الوزراء الدنماركي في شهر أكتوبر الماضي الاجتماع الذي طالب بعقده سفراء إحدى عشرة دولة إسلامية معتمدين في بلاده لمناقشة الرسوم لما تطورت الأمور إلى هذا الحد··· فليتخل الغرب قليلا عن تعاليه وسطحيته في معرفة الإسلام وعن تمسكه بقشور الإسلام والعرب وليتوقف عن استقاء معلوماته من الإعلام الغربي فقط··· فالغرب مطالب اليوم حتى يكون عادلا أن يغوص في أعماق العالمين العربي والإسلامي فهذا أبسط ما يجب القيام به إذا ما أراد أن يأخذ مواقف عادلة مع هذا الجزء من العالم وليس مجرد النبش في سلبيات هذه الأمة والرقص عليها!!
الأمر الذي لم أتوقعه هو غضب الدنمارك من مقاطعة بعض الشعوب العربية لبضائعها، ألا تعتبر الحكومة الدنماركية أن ما يفعله المواطن العربي من مقاطعة للبضاعة الدنماركية ''حرية تعبير'' فهم يعبرون عن غضبهم من الإساءة إليهم بعدم شراء أفضل أنواع الزبدة في العالم ويعبرون عن استيائهم بعدم تناول أرقى أنواع ال