لم أكن لأكتب عن العطلات الرسمية في الدولة وفلسفة ترحيلها إلى يوم آخر -عادة ما تكون إلى نهاية الأسبوع- خاصة في هذا اليوم لولا الآتي: الجدل الذي نشهده مع اقتراب موعد كل إجازة وطنية أو دينية لحين إقرارها رسمياً، كما حصل مع عطلة العام الهجري· ولولا أن الموظفين أنفسهم ابتكروا طرقاً للحصول على الإجازات بل تفننوا في طرق تمديدها وإطالتها بألوان مختلفة وتحول الأمر إلى نوع من التباهي بين البعض· ولولا أننا أيضاً، خلطنا بين فلسفة العطلة الرسمية وهدفها وتكريس الخمول والكسل ومبدأ الانتقال من إجازة إلى أخرى، إلى أن فقدت الإجازة منطقيتها، وتحولت المسألة في بعض الأحيان إلى ''بطالة'' رسمية·
تتلخص مشكلتنا عندما نقوم بالتخطيط للإجازات الرسمية في أننا نركز على زاوية واحدة، وننظر من جانب واحد، وهو كيفية تعطيل العمل أكبر عدد من أيام الأسبوع دون النظر إلى بقية الزوايا، ومنها المصلحة العامة والاقتصادية لدولتنا، فتصبح قضية إنتاجية الموظف ومصلحة العمل والعائد الاقتصادي وحتى العام الدراسي ليست من أولوياتنا· فالمهم عندنا هو الحفاظ على ديمومة الإجازات مهما كلفنا ذلك! بل يتخيل الواحد منا لكثرة الإجازات والربط بين إجازتين وغير ذلك من الممارسات ''البهلوانية'' للتحايل على القواعد الإدارية أن أيام الإجازات في دولة الإمارات أكثر من أيام العمل والدراسة·
بات واضحاً أن تركيز الناس ينصب على ''انتزاع'' الإجازات وتمديدها بعيداً عن مضامينها الحقيقية والهدف الذي تم على أساسه تشريع هذه الإجازات وتساوت عندهم الأيام، وأصبحت أيام العمل حالها لا يختلف عن عطلة نهاية الأسبوع: الخميس والجمعة· بل واللافت أن ترحيل الإجازة من يوم المناسبة إلى آخر الأسبوع بات يتم تحت شعار ''مصلحة العمل''، وقد يكون ذلك صحيحاً بالفعل لأن حسابات الأرقام والتجارب السابقة تشير إلى مشكلة الدوام بين دوامين واستباق الإجازات بأخرى، وغير ذلك من سلوكيات تستهدف في مجملها البقاء بعيداً عن العمل، ولكني أعتقد أن ترحيل الإجازات يكرس هذه السلوكيات، ويبعد الإجازات عن هدفها وفلسفتها ويجعل منها هدفا في حد ذاته!
وبدلاً من أن تكون العطل الدينية والوطنية مناسبة لغرس القيم والمعاني في نفوس النشء وفرصة للتأمل والمقارنة بل ومحاسبة الذات، باتت مثلها مثل أيام العطلة الأسبوعية من حيث الممارسة في الحياة الاجتماعية ومن حيث التفكير والتخطيط، فهو يوم عادي لا يختلف عن باقي الأيام· بل إن تكرارها خلال فترات قصيرة يُعد أمراً ضاراً بالاقتصاد الوطني للدولة، وأرقام الخسائر التي كشفتها الإجازات الأخيرة تؤكد ذلك·
خسرنا الاستفادة الحقيقية من مناسبة عطلة رأس السنة الهجرية الحالية (1427)، حيث إنها توزعت لتكون لدى بعض القطاعات يوم الإثنين وبعضها اليوم الأربعاء وبعضها الآخر غداً الخميس، وتوزعت الفعالية بسبب تقسيم وترحيل يوم الإجازة عن يومه الأصلي· أما من الناحية الاقتصادية، فقد كشفت نتيجة لتغيير يوم المناسبة إلى نهاية الأسبوع بأن الأسبوع كامل كان إجازة بقرار رسمي بدءا من يوم الإثنين إلى يوم الجمعة· وبهذه الطريقة تم تفريغ العطلة الدينية من فلسفتها الحقيقية، كما أننا أعطينا انطباعاً غير جيد لدى من يفكرون في الاستثمار في دولتنا، وكذلك خفضنا من إنتاجية الموظف لدينا·
ينبغي ألا تكون المناسبات الوطنية والدينية فرصة لتعميق الكسل بجعل الإجازة هـدفاً، وهذه ليست دعوة لإلغاء الإجازات في هذه المناسبات ولكن أحياناً، بل في معظم الأحيان، يتسبب ''ترحيل'' الإجازة في تفريغها من مضمونها والرسالة التي تحملها سواء كانت تقديراً لمناسبة وطنية أو دينية·