في غضون سنوات قليلة انتشرت ''حمّى الأسهم'' في الدول الخليجية فدخلت كل البيوت وغزت كل الأندية والمكاتب والمقاهي، حتى صار الحديث حول الأسهم الموضوع الرئيسي في كل مجلس يجتمع فيه الشباب الخليجي· فهناك تقارير تشير إلى أن أكثر من 9 ملايين نسمة من سكان الدول الخليجية يملكون أسهما في الشركات المدرجة في أسواق الأسهم، ونحو أربعة ملايين منهم يمارسون التجارة في الأسهم بشكل منتظم، بل إن ما يزيد على 35 ألفا من مواطني الدول الخليجية المجاورة تم تسجيلهم خلال العام الماضي كمستثمرين في سوق الإمارات للأوراق المالية·
إن خطورة هذا الهوس هي أنه ظاهرة خليجية عامة، بل عابرة للحدود الجغرافية، حيث يتضح ذلك من خلال النموذجين الخليجيين اللذين طرحا للاكتتاب، وهما ''دانة غاز'' الإماراتية منتصف العام الماضي، وبنك ''الريان'' القطري مطلع هذا العام، حيث ظل الشباب الخليجيون يلاحقون الإصدارات الأولية لهذه الشركات، بأعداد كبيرة خلقت مشكلات مرورية وازدحاما في الفنادق، اضطرت معها أعداد كبيرة منهم للإقامة في الحدائق العامة، الأمر الذي بدوره يطرح قضية أخرى تتعلق بالمردود المادي الذي يمكن أن يجنيه هؤلاء المكتتبون ''الرحل'' في ظل محدودية التخصيص لكل مكتتب·
إن خطورة هذا الهوس في التعامل بالأسهم الخليجية، أنّ له انعكاسات سلبية خطيرة على إنتاجية العمل في المجتمعات الخليجية، وعلى كفاءة سوق الأسهم الخليجية نفسها، وعلى مجمل الأوضاع الثقافية والاجتماعية للمجتمعات الخليجية· فالدوائر والمؤسسات الحكومية ستشهد مزيدا من الانخفاض في مستويات الإنتاجية كلما زاد انشغال موظفيها بما يدور في قاعات تداول الأسهم أولا بأول، بينما يلحق ضرر مماثل على أسواق الأسهم نفسها التي ينضم إليها مزيد من الهواة والمغامرين، في ظل ما تعانيه هذه الأسواق أصلا من ضعف مستويات الوعي الاستثماري المرتبط بأبسط القواعد والأسس الصحيحة في الاستثمار لدى هذه الشريحة من المتعاملين· وفي خضمّ تزايد اهتمام الموظفين في الدوائر الحكومية الخليجية المتزايد بالاستثمار في أسواق الأسهم، بدأت بعض الدول الخليجية تبدي نوعا من القلق من استغلال المدرسين لساعات العمل في الانشغال بالاستثمار في أسواق الأسهم، وهم آخر شرائح الموظفين الذين يطالهم هوس الأسهم، بعد أن سبقتهم إلى السوق شرائح أخرى لا تقلّ أهمية· بل والأخطر من ذلك أن شريحة كبيرة من الموظفين في الدول الخليجية هجرت الوظائف الحكومية والخاصة، واتخذت من المضاربة وظيفة بديلة، في ظل الفارق الشاسع ما بين المردود المالي الذي يمكن أن يجنيه الشخص من المضاربات اليومية في السوق والراتب المحدود الذي يتعرّض لضغوط مستمرة بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، وبعد أن أتاحت لهم البنوك فرصا مغرية للاقتراض والاتجار في الأسهم·
وخلافا لهذه الشرائح جميعها، استغلت الشركات هذا الهوس، ودفق السيولة نحو سوق الأسهم بمعدلات كبيرة خاصة في هذه الفترة، وأغرقت هذه السوق بعدد كبير من الإصدارات الأولية، في ظل شكوك حقيقية حول جدوى الأنشطة التي يمكن أن تقوم بها الشركات الجديدة مستقبلا، حيث أصبحت هذه الأنشطـة تنزع أكثر نحـو التكرار، وتتعارض كليا مع خطط ومتطلبات التنميـة الاقتصادية في الدول الخليجية·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae