بعد الغسق، و في ذلك اليوم البارد الساكن الريح الذي جاء مباشرة بعد الانقلاب الشتوي (يحدث عادة في 21 ديسمبر خلال أقصر يوم في السنة ويحدد بداية الشتاء)، قام العالم ''روس بينيزوتو'' بتوجيه أحد زواره كي ينظر ناحية السماء· كان كوكب الزهرة يلمع في الجنوب الغربي، ولكـن السيد ''بينيزوتو'' كان يحملق في الاتجاه العام لكوكب المريخ وينتظر· وفي الموعد المحدد تماما، يمر القمر ''كوزموس ''1222 وهو قمر اصطناعي تم إطلاقـه في الفضاء في الأيام الأخيرة من الحرب الباردة متهاديا في السمـاء وكأنه نيزك يطير بسرعة بطيئة من دون ذيل· ويشير ''بينيزوتو'' إليه قائلا لزائره: ها هو يمر هناك··· هـل تراه؟ وبعد ذلك بدقائق، وفي مدار آخر، يظهر الجسم المتبقي من الصاروخ الذي قام بإطلاق ذلك القمر· وبعد ذلك يمرق القمر الاصطناعي الراداري الأميركي 4 Lacrosse عبر مجموعة النجوم المسماة كاسيوبيا .Cassiopeia يقول بينيزوتو: ''الناس حائرون ويتساءلون متى يمكنهم أن يروا قمرا اصطناعيا؟ في حين أن السؤال الذي يجب أن يسألوه هو: كم قمراً من هـذا النوع يمكنهم رؤيته فــي ليلة معينة؟''·
وقد قام ''بينيزوتو'' برصد 40 قمراً اصطناعياً في ليلة واحدة من ليالي الصيف وهو جالس على كرسي في حديقة منزله بولاية ''مين'' الأميركية· و''بينيزوتو'' بالإضافة إلى كونه عميد كلية ''ميريماك'' للعلوم والهندسة يعتبر من كبار هواة مراقبة الأقمار الاصطناعية·
ويُشار إلى أن هناك العديد من العلماء أو حتى الأشخاص العاديين، المهتمين بهذا النوع من النظر في أحوال الفضاء والنجوم، والذين يعرفون مواقع النجوم ويعتبرون متابعة أحوالها وتحركاتها، هواية يتمتعون بها تماماً مثلما يتمتع هواة مراقبة الطيور أو حتى متابعة مرور القطارات وتسجيل مواعيدها بهواياتهم· وهؤلاء الهواة سيطنبون أمامك في الحديث عند رؤيتهم محطة الفضاء الدولية، أو عند رؤيتهم لمركبة من المركبات الفضائية الثابتة Geostationary مثل المركبة التابعة لهيئة ُXM radi الأميركية، أو حتى عند رؤيتهم لوهج معدن الإيريديم Iridium flare وهو وميض ضوء شمس منعكس من قمر من أقمار الاتصالات، بنفس الطريقة التي يطنب بها العلماء المتخصصون في الحديث عن الظواهر الفلكية المختلفة·
وهذه الهواية أو اللعبة في الحقيقة قديمة قدم ظهور المركبة الفضائية السوفييتية ''سبوتنيك''، ويمكن لأي إنسان أن يمارسها من أي بقعة مظلمة وباستخدام العين المجردة· والفرق بين حال هذه الهواية أو اللعبة الآن وحالها عند ظهور ''سبوتنيك''، هو أن مهارات المشاركين فيها، قد تطورت كثيراً نظراً للتطور الرهيب الذي حدث في معدات وبرمجيات الكمبيوتر الخاصة بمراقبة الفضاء، والذي حدث كذلك في تطور المناظير والمنصات التي يتم تركيبها عليها، بالإضافة إلى رخص أسعار تلك المعدات والأجهزة والبرمجيات حالياً·
والهواة يمكنهم المشاركة مع بعضهم بعضا، وتكوين شبكة على الإنترنت وذلك من خلال الموقع heavens- above.com على سبيل المثال، الذي يوفر دليلاً مبسطا للغاية للمجرة، كما يحتوي على قائمة بالأوقات التي يمكن فيها رؤية الأقمار الاصطناعية الموجودة في كل منطقة من مناطق العالم، مرفقة بعدد كبير من الصور شديدة الوضوح لهذه الأقمار·
وقد قام الهواة بتقديم الكثير من المعلومات أثناء تجمع كبير تم عقده لهواة مراقبة الفضاء، وتم وضع تلك المعلومات على شبكة الإنترنت الشهر الماضي حسب ما قالته السيدة ''لورا جريجو''، العالمة بإحدى الهيئات العلمية في كامبردج بولاية ماساشوستس الأميركية· وفي إطار الحملة الهادفة إلى زيادة وعي الجمهور بالأنشطة الفضائية التي تقوم بها حكومات الولايات المختلفة أو الحكومة الفيدرالية، يقوم موقع ucsusa.org/satellite.database بإيراد قائمة بأسماء 800 قمر اصطناعي نشط، محددا فيها تاريخ إطلاق كل قمر، والبلد الذي أطلقه، والشركة الراعية، وكذلك إحداثياته المدارية· وهذا الموقع يتجاهل الأقمار الاصطناعية غير النشطة وغيرها من النفايات الفضائية·
وبالنسبة للنفايات الفضائية تقول الدكتورة ''جريجو'': ''هناك عدة آلاف من الأجسام التي تندرج تحت مسمى النفايات الفضائية، والتي تشمل أجسام الصواريخ الكبيرة التي تم إطلاقها، والأقمار الاصطناعية المهجورة كما تشمل قطعا معدنية بل وحتى بعض طبقات الدهان الخاصة بتلك الصواريخ أيضا''·
يذكر أن حجم الأقمار الاصطناعية يتراوح ما بين حجم كرة البيسبول إلى حجم الأقمار الاصطناعية مقاس 15 في 6 أقدام مثل سلسلة أقمار لاكروس Lacrosse وقمر إينفوسات Envosat التابع لوكالة الفضاء الأوروبية وهو عبارة عن قمر رصد لأغراض حماية البيئة· أما الأقمار الاصطناعية الصغيرة، قليلة التكلفة نسبياً، التي يقوم أصحابها بإطلاقها لحجز مساحات لهم في الفضاء في انتظار أن يقوموا فيما بعد بإطلاق أقمار حقيقية كبيرة فلن يمكن رؤيتها أبدا من الأفنية الخلفية للبيوت·
والكثير من هواة مراقبة الطيور المتحمسين، أصبحوا منغمسين الآن في مراقبة الأقمار الاصطناعية وهي هو