خلال الأسابيع الأخيرة أثيرت ضجة في الكونجرس حول استخدام التنصت دون إذن قانوني على الأميركيين داخل الولايات المتحدة· وكي تتسنى معرفة المذنب في هذه الحالة ما على الكونجرس سوى أن ينظر في المرآة· نعم فالحقيقة المحزنة هي أن الكونجرس لا يريد أن يمارس إشرافاً فعالاً على أنشطة الاستخبارات·
بوش من جانبه يقول إن الكونجرس قد فوضه ضمناً بالتنصت على المواطنين الأميركيين دون إذن حين فوضه بعمل كل ما يلزم للرد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما أنه يؤكد على الصلاحية المتضمنة في الدستور الأميركي، والتي تخوله التنصت على المواطنين الأميركيين أو غيرهم، دون تفويض من الكونجرس سواء كان هذا التفويض ضمنياً أو صريحاً· وبوش ليس أول رئيس أميركي يدّعي وجود حق أصيل له في الدستور بشأن المسائل المتعلقة بالأمن القومي، فهذا الموضوع إذن دستوري وليس سياسياً·
وهناك موضوع دستوري آخر مثار حالياً بين الفرعين التنفيذي والتشريعي في أميركا، يتمثل في الآراء المتضاربة بشأن ماهية الأشياء التي يجب أن تكون محل التشاور بينهما· في العادة كان الفرع التنفيذي يعتقد دائماً أنه قد قام باستشارة الكونجرس، في حين أن كل ما كان يقوم به هو أن يقوم بإحاطته علماً بأشياء· ومن جانبه كان الكونجرس لا يعتبر نفسه قد استشير ما لم يقم بإجراء مناقشات بشأن ما يتعين عمله بخصوص مسألة معينة· والرئيس الأميركي ووزير عدله قاما بالتدليل على أنهما قد قاما بإحاطة الكونجرس علماً بشأن التنصت دون إذن عشرات المرات· وكانت هذه الإحاطات تتم عن طريق انتقاء ثمانية من أعضاء الكونجرس من بين 535 عضواً، ثم إخطارهم بالتوجه إلى البيت الأبيض لأداء القسم على التزام السرية حتى مع نظرائهم في الكابيتول هيل (مقر الكونجرس) ثم يتم بعد ذلك إخبارهم -لا استشارتهم- بشأن ما تنوي الإدارة عمله· وبعض هؤلاء الأعضاء كان يشعر بالانزعاج من هذا الإجراء· السيناتور جاي روكفلر (ديمقراطي عن ولاية ويست فرجينيا)، هو الوحيد الذي شعر بقدر من الانزعاج كان كافياً لدفعه للقيام بشيء ما بشأن هذا الأمر، فأرسل خطاباً مكتوباً بخط اليد (حتى لا تطلع سكرتيرته على مضمونه مما يخل بالقسم الذي أداه بالتزام السرية التامة حول الأمر) إلى نائب الرئيس ديك تشيني يقول له فيه إنه كان ''مهموما'' بشأن هذا الإجراء·
وإذا ما أخذنا الظروف المحيطة في الحسبان، فهل كان هناك شيء يمكن للسيناتور ''روكفلر'' أو غيره أن يفعلوه بشأن هذا الأمر؟ نعم كان بإمكانهم مثلا أن يرفضوا قبول المعلومات بالشروط الصارمة التي تم تقديمها بها، كما كان بإمكانهم أن يطلبوا مقابلة الرئيس وحده كي يشتكوا له بشأن تلك الشروط، كما كان بإمكانهم كذلك أن يطلبوا عقد جلسة عاجلة لمجلس الشيوخ ومجلس النواب أو لأحدهما كي يقوموا بوضع المسألة أمام زملائهم خصوصاً وأن مثل تلك الجلسات قد عقدت في الماضي ولم تتسرب أسرار خارجها كما قد يخشى البعض· والمسألة الأساسية هنا هي الاختلاف الجوهري بشأن الصلاحيات الدستورية للرئيس والكونجرس· فإذا ما افترضنا مثلا أن الكونجرس قد أخبر الرئيس بأنه لا مانع لديه من التنصت على الأجانب، فإن التنصت لا يطال الأميركيين دون إذن قضائي، على أن يقوم الرئيس وبشكل محدد، وكما هو وارد في التعديل الرابع للدستور، بوصف'' المكان الذي سيتم تفتيشه، والأشخاص الذين سيتم القبض عليهم وكذلك الأشياء التي ستتم مصادرتها''، وإذا ما قام الرئيس بعمل ذلك التنصت دون مراعاة ذلك فإن ذلك كفيل في حد ذاته بإدخال البلاد في أزمة دستورية كبرى·
وقد حدث مثل هذا الأمر مرتين على مدار الأربعين عاما الأخيرة· في المرة الأولى، أسقطت المحكمة العليا إصرار الرئيس نيكسون على استخدام سلطته في حجب الوثائق المتعلقة بـ''ووترجيت'' مما أجبره على تقديم استقالته· وفي المرة الثانية، قام الكونجرس بحظر إرسال المساعدات إلى مقاتلي ''الكونترا'' في نيكاراجوا، ورغم ذلك قامت إدارة ريجان بتقديم تلك المساعدات·
ولكن السر الذي حاول البيت الأبيض في ذلك الوقت أن يخفي وراءه القضية انكشف، وعلى أثر ذلك قام الكونجرس بالتحقيق في الأمر، مما أدى إلى توقف برنامج مساعدات الكونترا في نهاية المطاف· وكان من الواجب أن تتم إدانة ريجان ولكن ذلك لم يتم· عندما تم تأسيس لجان الاستخبارات في عقد التسعينيات من القرن الماضي فإن تلك اللجان قامت بوضع إجراءات أمنية ولكنها لم تتابع الموضوع حتى نهايته من خلال إجراء استجوابات صارمة· وكما جاء مرة على لسان أحد أعضاء هيئة مجلس النواب الأميركي فإن ''هناك نقصاً ملحوظاً في الفضول في المجلس''، وليس هناك وصف في رأيي أفضل من هذا الوصف للتعبير عما نشكو منه حالياً·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور'