يكتظ العالم بأكثر من اثنين وعشرين مليون طفل مصابين بالسمنة، وهو عدد يتزايد بشكل مطرد، خصوصا في اليابان والولايات المتحدة· ففي تقرير نشر خلال شهر يونيو 2004 بعنوان ''وباء السمنة لدى الأطفال: الأسباب والخلافات''، ذكر الباحثون أن 10% من الأطفال الأميركيين بين سن الثانية وسن الخامسة يعانون من السمنة· وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 15% لمن هم بين سن السادسة وسن الحادية عشرة، وهي النسبة نفسها أيضا لمن هم بين سن الثانية عشرة وسن التاسعة عشرة· وهو ما يعني أن واحداً من بين كل ثمانية أطفال أميركيين بدءاً من سن الثانية مصاب بالسمنة· ولا يختلف الوضع كثيرا في بريطانيا، حيث يعاني 15% ممن هم في سن الخامسة عشرة من السمنة، مع توقع ارتفاع هذه النسبة إلى 25% بحلول عام ·2020 هذه الأرقام تظهر على نحو لا يقبل الجدال، بأن أطفال العالم الغربي الصناعي يرزحون تحت نير وباء الوزن الزائد والسمنة المفرطة· ولكن بخلاف تأكيد وجود هذا الوباء، يبقى الأهم هو معرفة أسبابه، ومن ثم تحديد المسؤولية في دحره والقضاء عليه· الشق الأول المعني بالأسباب، أصبح هو الآخر واضحا ومؤكدا· ويمكن تلخيص هذا الشق ببساطة، في أن السمنة تنتج عن تناول كميات من السعرات الحرارية، تزيد عما يستهلكه الشخص في نشاطاته وحياته اليومية، مما يضطر الجسم لتخزين الفائض في السعرات الحرارية على شكل دهون، تحت الجلد وحول الأعضاء الداخلية· هذا الملخص يندرج تحته معظم ما كتب عن أسباب السمنة -وهو كثير-، مثل الإفراط في تناول السكريات والنشويات، أو شرب المياه الغازية بكثرة، أو الإفراط في كميات الطعام، وغيرها· أما على صعيد تراجع حجم ما يستهلكه إنسان العصر الحديث من سعرات حرارية، فأسبابها هي الأخرى كثيرة ومعروفة لدى الجميع· مثل عدم ممارسة الرياضة، وقلة النشاط الحركي، والاعتماد على التكنولوجيا للقيام بالأعمال البدنية، وغيرها الكثير أيضا· وعلى الرغم من أننا أصبحنا ندرك طبيعة السمنة، وقمنا بتحديد أسبابها، وتعرفنا على ميكانيزمات حدوثها، إلا أنه يبقى علينا تحديد المسؤولية الفردية والجماعية، والحكومية والشخصية، في منع تزايدها والتخفيف من وطأتها على أطفالنا وشبابنا·
هذا الجزء المعني بتحديد المسؤوليات في موضوع السمنة، ربما كان من أكثر المواضيع تعقيدا في مجال الرعاية الصحية، سواء من الناحية الطبية أو الاجتماعية أو القانونية· فعلى سبيل المثال، خرج ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز على العالم بنظرية جديدة، خلال فعاليات مؤتمر عقد في لندن الأسبوع الماضي، ليؤكد أن مسؤولية انتشار السمنة تقع على عاتق مهندسي ومخططي المدن الحديثة· ففي رأي تشارلز، أن تخطيط وتصميم المدن الحديثة لا يأخذ في الاعتبار الحاجة البشريــــة لممارســــة النشــــاط البدنــــي، من خلال توفير الحدائق، أو تخصيص ممرات تسمـــــح لسكـــــان المدينــــــة بالمشـــــي لمسافات طويلة، أو استخدام دراجاتهم الهوائية للتريض بشكل آمن· ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، مدعين أن سوء تخطيط المدن لا يتسبب فقط في مشاكل صحية مثل السمنة وأمراض القلب والشرايين، بل يلقون أيضا باللوم على سوء التخطيط خلف الازدياد الملاحظ في انتشار الأمراض النفسية والعقلية بين سكان المدن الكبرى الحديثة· بينما يرى آخرون أنه يجب على الجهات الحكومية بذل مزيد من الجهد، وتشريع المزيد من القوانين واللوائح، الهادفة إلى حماية الأطفال من أساليب التسويق الجذابة التي تستخدمها حاليا شركات بيع المواد الغذائية والحلوى، كخط دفاع أول في مواجهة السمنة بين الأطفال· ففي مؤتمر آخر عقد أول من أمس في مدينة تورينو بإيطاليا، وقف البروفيسور ''فيليب جيمس'' رئيس فريق العمل الدولي لمكافحة السمنة (International Obesity Task Force)، ليعلن أن الإعلانات المباشرة أصبحت لا تشكل إلا جزءا بسيطا من ميزانيات تلك الشركات، والتي أصبحت تعتمد على أساليب تسويقية بالغة التعقيد تعتمد على الدراسات النفسية والاجتماعية لهؤلاء الأطفال·
هذا الرأي يتشارك فيه الكثيرون بالفعل· فمثلا شن زعيم ''حزب المحافظين'' ديفيد كاميرون، حملة انتقاد شديدة ضد واحد من أشهر محلات السوبر ماركت في بريطانيا (WH Smith)، بسبب إصرار تلك المحلات على تشجيع الأطفال على استهلاك الحلوى والشيكولاتة، بدلا من تشجيعهم على استهلاك الخضروات والفواكه· وهو الموقف الذي يشارك فيه (WH Smith) غالبية محلات الأغذية والسوبر ماركت في بريطانيا· فرغم وجود توصيات بضرورة أن يكون ثلث الحوافز والتخفيضات داخل محلات الأغذية على الخضروات والفواكه، إلا أنه من خلال مسح حديث، شمل تسعة من أكبر محلات الأغذية وتضمن أكثر من 2000 منتج، اتضح عدم التزام تلك المحلات بهذه التوصيات· ولا يمكن بالطبع أن نلقي باللائمة على محلات الأغذية أو شركات الحلوى فقط، فالآباء أيضا يتحملون جزءا من اللوم والعتاب· فالعادات الغذائية السليمة، مثلها مثل السلوكيات الاجتماعية الأخرى، يتعلمها الطفل أولا في منزله وتحت إشراف والديه· وما حدث خ