في العام الماضي أنفقت أميركا في الأسواق العالمية أكثر مما كسبت بنسبة 57%، وهو ما يعني أن وارداتنا كانت أكبر من صادراتنا بهذه النسبة· والسؤال الذي يرد إلى الذهن عندما نقرأ ذلك هو: كيف أمكننا أن نعيش بأكثر مما تسمح به إمكانياتنا بكثير؟ لقد تمكنا من ذلك عن طريق الاقتراض من اليابان والصين ومنتجي النفط في الشرق الأوسط· إننا مدمنون على الأموال المستوردة قدر إدماننا على النفط المستورد· في بعض الأحيان قد يكون الاقتراض الخارجي على نطاق واسع أمرا مستحسنا· ففي القرن التاسع عشر على سبيل المثال قامت الولايات المتحدة باقتراض أموال طائلة من أوروبا، ولكنها استخدمت تلك الأموال في بناء الطرق والجسور وغيرها من مرافق البنية الأساسية الصناعية· وهذه الموجة من الاستثمارات الممولة بالديون الأجنبية في ذلك الوقت تركت أميركا أقوى وليس أضعف·
أما في هذه المرة فإن اقتراضنا من الخارج لا يستخدم في تمويل ازدهار استثماري: فالاستثمارات الصناعية الحالية مقارنة بما حدث في القرن التاسع عشر -حتى بعد أخذ التغير الاقتصادي في الاعتبار- تبدو منخفضة· فبدلا من أن نقوم بالتصرف كما كنا نتصرف في الماضي فإننا نقوم حاليا باستخدام الأموال المقترضة من الخارج في بناء المنازل، وشراء السلع الاستهلاكية، وبالطبع في تمويل العجز في الميزانية الفيدرالية· ففي عام 2005 وصـــل الإنفاق على بناء المساكن -كنسبة من الناتج القومي الإجمالي- أعلى مستوى له خلال الخمسين عاما الأخيرة· الأشخاص الذين يملكون منازل بالفعل يتعاملون معها وكأنها بطاقات للصراف الآلي حيث يقومون بتحويل قيمة منازلهم (بعد خصم مبالغ الرهن العقاري) إلى أموال للإنفاق· وفي العام الماضي أيضا انخفضت المدخرات الشخصية إلى ما دون مستوى الصفر لأول مرة منذ عام ·1933 ومما يدل أيضا على تردي حالتنا المالية هو أن إدارة بوش تفتخر بعجز ميزانية عام 2005 لأنه كان أقل قليلا من عجز عام ·2004
كل هذا يبدو غير قابل للاستمرار، وهو كذلك بالفعل· فبعض الناس يصرون على أن اقتصاد الولايات المتحدة لديه مدخرات مخبوءة ولكن الإحصائيات الرسمية لا تنتبه لها· وهذا الإنكار يتخذ شكلا أكثر منهجيا داخل الحكومة الفيدرالية حيث يفعل ''ديك تشيني'' بتحليل الميزانية الفيدرالية نفس ما فعله في المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالعراق· ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال، أعلن تشيني أن القسم الذي تم إنشاؤه حديثا في وزارة الخزانة، قد اكتشف أن الخصم الضريبي يزيد -ولا ينقص- العوائد الفيدرالية· هذه هي طريقة بوش- تشيني: أن تحدد استنتاجاتك أولا، وبعد ذلك تطلب من المحللين أن يقدموا الأدلة التي تدعم هذه الاستنتاجات·
ولكن المحللين الجادين يعرفون أن فورة الاقتراض الأميركية غير قابلة للاستمرار، وأن العجز التجاري لابد وأن يهبط إن عاجلا أو آجلا، وأن الازدهار العقاري يجب أن ينتهي، وأن الإدارة والمستهلكين معا سيجدون في النهاية أنهم مضطرون للعيش وفق ما تسمح به إمكانياتهم·
هل سينتهي الأمر نهاية سيئة··· وإلى أي حد سيكون هذا السوء؟ يتوقف ذلك على الكيفية التي ستنتهي بها فورة الاقتراض الحالية؛ فإذا ما انخفضت بشكل تدريجي، فإن الاقتصاد الأميركي سيكون قادرا على تحويل العمال خارج القطاعات التي استفادت من الازدهار العقاري وفورة الاستهلاك، إلى القطاعات التي تقوم بإنتاج السلع التي يتم تصديرها أو التي تحل محل الواردات· وإذا ما توافر الوقت، يمكننا أن نخفض العجز التجاري، ونعيد أسعار المساكن إلى وضعها الطبيعي دون أن نتكبد خسارة صافية في الوظائف·
أما في الممارسة العملية فإن ''الهبوط السلس'' قد يكون أمرا غير محتمل لأن هناك العديد من الفاعلين الاقتصاديين ممن لديهم توقعات غير واقعية· وينطبق هذا على المستثمرين الأجانب، الذين لا زالوا يتهافتون على شــراء الأسهــم والسندات الأميركية بأسعار فائدة منخفضة، غير منتبهين -كما يبدو- إلى عجز الميزانية، وإلى الرأي المتفق عليه بين خبراء التجارة ومؤداه أن الدولار لابد أن يهبط في النهاية بنسبة 30% أو ما يزيد على ذلــك حتى يتم التخلــص من العجــز التجاري·
وينطبق هذا أيضا على مشتري المنازل؛ فمعظم الأميركيين يعيشون في مناطق يمكنهم توفير سكن فيها· ولكن هناك دراسة حديثة قام بها بنك HSBC المتعدد الجنسيات، تؤكد ما دأبت أنا وغيري على قوله، وهو أن معظم الزيادة في أسعار المساكن قد حدثت في ما يمكن أن نطلق عليه ''مناطق الفقاعة'' وهي تلك المناطق الواقعة على السواحل التي ارتفعت فيها أسعار المنازل إلى مستويات لا يستطيع الخبراء تبريرها· فحسب الدراسة التي أجراها البنك، فإن قيمة المنازل في تلك المناطق مقومة بأكثر من قيمتها الحقيقية بنسبة تتراوح ما بين 35 و40% خالقة بذلك تريليونات الدولارات من الثروة الوهميـة·
لذلك فالأمر المتوقع إلى حد كبير هو أن تنتهي فورة الاقتراض الأميركي، ليس بفرقعة كما هو متوقع، ولكن بحزن عميق، وأن ينخفض الإنفاق فجأة عندما تصحو كل من سوق الأوراق المالية وسوق