انهيار عروش وتدحرج رؤوس سنة كونية في الحياة، تتكرر على مدار التاريخ البشري، وما حدث لصدام لا يخرج عن هذا الإطار، وهو رد عملي على جميع من روج بأنه الشخصية الديكتاتورية التي لا يمكن لها الاستسلام لأن كرامته وسيرته الدموية مع شعبه والشعوب الأخرى لا تسمح له ولو للحظة من الانهزام، و(أمهات المعارك) التي خاضها خير شاهد على ما ذكروا طوال ثمانية أشهر الماضية ولا زال هؤلاء يروجون لأكاذيب الصحاف.
إن معظم وسائل الإعلام العربية تتعامل مع تلك الليلة وكأنها سقطت من التاريخ، فكادت دموع البعض تنهمر عطفا وشفقة على زوال رجل ميت القلب· ونسي هؤلاء بأن العدالة الإلهية لا تحابي أحدا على حساب تعطيل هذه السنة الكونية في انهيار الأنظمة التي تصل إلى درجة غليان عالية ومليئة بالكبرياء والغطرسة الفائقة لكل الحدود المعروفة في تداول قضايا السياسة وتتعامل كأنها لا يوجد من يلزمها حدها من الاستمرار والاستمراء في الغي.
فاليوم، إذا كان هناك من يجب أن تخلد سيرته ليس أميركا فحسب وإن كانت صاحبة الفضل الأول في انقاذ الشعب العراقي، بل من وشى بصدام من ذوي القربى بعد أن تعامل معه وفق المنهج القرآني في مثل هذه المواقف الحاسمة في حياة الشعوب (إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح··)·
الإعلام العربي بصفة عامة لا يخدم أصلا قضايا الحريات والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي فلسفة عالمية تطرح ضمن المتغيرات التي تلاحق المجتمعات مهما كانت الحواجز منيعة وعصية على الاختراق.
لذا، يعيش هذا الإعلام حالات من الصدمات سواء مما يحدث الآن من تطورات الأحداث الدرامية والدامية في العراق أو غيرها من البقاع الساخنة قي العالم من حولنا.
فلو لم يستطع أهل الحق أنفسهم تطبيق القانون المحلي على صدام ولعقود طويلة، ولأسباب معينة ومعروفة جاء من أقصى الأرض من يعيد الحق المهدور لأهله، فهل يجوز لنا إشعال النيران من حوله ورميه بأقذع الألفاظ والبحث عن القواميس المتحجرة للوقوف مع الظالم المبين مع أن البهائم قد ارتاحت من ذهابه قبل بني آدم الذي عانى الكثير من مسارات ظلم صدام والتي لا تحتاج إلى مجلدات التاريخ لروايتها بالتفصيل الممل، لأنها تم اختصارها بالأمس في صورة فضائية واحدة فعلت في الفرحين والحزانى فعل السحر أمام العالم أجمع.
فصورة رجل الكهف صدام الذي خرج إلى الناس جعلت من لسان الإعلام العربي بفضائياته يصدح بأعلى صوته قائلا: (ارحموا عزيز قوم ذل)·
وغفل القوم عن حركة التاريخ المعاصر التي لا تتغير في آثارها عن التاريخ القديم· فبذهاب نيرون عمرت روما، وبانتحار هتلر توحدت ألمانيا الغربية والشرقية وتحطمت كل الأسوار بينهما، وتصادق ألد خصمين فرنسا وبريطانيا، و بتسليم الشعب اليوغوسلافي طاغيته ميلوسوفيتش إلى لاهاي اتسع قلب الاتحاد الأوروبي لدول أوروبا الشرقية.
وهذا هو المؤمل حصوله في العالم العربي والاسلامي، فبزوال حكم (العبث) عن العراق تحرك الحجر الأول للشطرنج العربي نحو البناء والاستقرار، وهو الأمر الذي كان مدار حديث وتحليلات أساطين الاعلام الغربي في جميع وسائله وبكل أطيافه في ليلة القبض على صدام.