هناك مؤشرات عدة على أن تطبيق المناهج المطوّرة في وزارة التربية والتعليم يواجه بعض الصعوبات، التي يبرز منها ضرورة تأهيل المعلمين والمعلمات، سواء من خلال دورات تدريبية متخصصة كان يفترض تنظيمها قبل تطبيق هذا المناهج، أو تزويد المدارس كافة بالوسائل التعليمية المساعدة للتغلب على أيّ صعوبات تواجه العملية التعليمية. إحدى الندوات التي عقدت مؤخرا طالبت بفتح الباب أمام المعلمين لاختيار الأساليب المناسبة لشرح المناهج للطلاب، وهذه جزئية بالغة الحيوية لأن المدرس "المقولب" لن يقدم للطالب سوى أفكار "معلّبة" مسبقة التجهيز، ولن يزود المجتمع بعنصر مبدع يمتلك مهارة التفكير الفردي، ناهيك بالطبع عن التفكير النقدي الحر الذي نطمح إلى أن يكون أحد مخرجات العملية التعليمية في مراحل تطويرها التي تسعى الدولة إلى تطبيقها.
"الطالب" هو الحاضر- الغائب في النقاشات التي تدور حول تطوير المناهج التعليمية، فالتوصل إلى استنتاجات عن تقبّل المناهج المطوّرة وهضمها، يتم غالبا من خلال المؤشرات الإحصائية للنتائج الفصلية والسنوية التي يحققها الطلاب في مختلف المناهج المطوّرة، ولكن لا أحد يفكر في أن هذه المؤشرات يمكن أن تقدم لنا صورة مزيّفة عن الواقع، وتخفي جوانب القصور التي تعانيها هذه المناهج. وإذا كان هناك مَن يعترض أو يتذرع بأن الطلاب -خصوصا في الصفوف الدراسية الأولى- غير قادرين على تحديد أوجه النقص والصعوبات في فهم المناهج المطوّرة، أو أن الطلاب ليسوا مقياسا حقيقيا لجودة المناهج المطوّرة، فإن هناك من الحقائق ما يدحض أي رأي قائم على استبعاد أو تهميش دور الطلاب أنفسهم كمتغير حيوي في عملية تطوير المناهج، فهم مختبر التطوير وهدفه النهائي، وهم المؤشر الفعلي لنجاح أي تطوير من عدمه، وهم أيضا مؤشر لمدى فاعلية المناهج وكشف أوجه القصور فيها ومعالجتها أولاً بأول.
غرس فن الاستماع لدى الطلاب وتدريبهم على الحوار النقدي الهادف فيما يتعلق بمناهجهم الدراسية، مسألة ضرورية في المرحلة المقبلة، خصوصا أن كثيرا من هذه المناهج تعاني قصورا واضحا في الترجمة العربية عن اللغات الأصلية، فالتعريب يتم في بعض الأحوال بطريقة جامدة لا تراعي اختلاف الأطر الدلالية للمعاني والكلمات، وبطريقة يصعب على المعلمين، في بعض الأحيان، فهمها سريعا، فما بالنا بالصغار، الذين يضطرون إلى الاستعانة بمساعدة الأهل بطريقة غير تربوية، لأن هذه التدخلات لا تتم تحت شعار المساعدة، بل يمكن أن تتم بشكل مباشر يقدم صورة زائفة لمستويات التحصيل العلمي، حتى وإن أتت نتائج الاختبارات بأعلى المعدلات، التي لا تعكس واقع الحال بقدر ما تعكس حسابات التنافسية في المدارس الخاصة، ولا تخلو أيضا من اعتبارات أخرى تدفع الكثير من المدارس الحكومية إلى "تجميل" الواقع والنتائج النهائية للطلاب، والمجتمع هو مَن يدفع بالنهاية فاتورة هذه الاختلالات الهيكلية!
وإذا كان المعلمون أنفسهم يعترفون بوجود صعوبات في تطبيق بعض المناهج المطوّرة، فلنا أن نلتمس العذر للطلاب، ولنا أيضا أن ننظم ورش عمل متخصصة لنستمع إلى السلبيات بصراحة وشفافية تغذي التطوير وتساعدنا في التعرّف إلى السلبيات من دون رتوش.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة أخبار الساعة الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيحية