عندما تتحدث التقارير الصحفية عما تصفه -نقلا عن مصادر مسؤولة في وزارة التربية والتعليم- حالة غير مسبوقة من الالتزام والانضباط في الحضور والانصراف بين موظفي الوزارة، لابد وأن نشير إلى أن الوزير الدكتور حنيف حسن قد استهل عمله في الوزارة بطلب بطاقة هوية شخصية لتسجيل مواعيد حضوره وانصرافه كي يضرب المثل والقدوة وكي تمتلك دعوته إلى الانضباط مصداقية بين موظفي الوزارة. ما ينبغي أن نلتفت إليه هنا هو ضرورة إرساء مبدأ الالتزام وتعميمه من دون استثناء، فمن الصعب على المسؤول مطالبة الآخرين بالالتزام والانضباط في بيئة لا تحرض على انتهاج هذا السلوك، وفي ظل غياب القدوة الوظيفية التي تجعل من المخالفة أمرا يصعب الدفاع عنه.
والمؤكد أن الأجواء التي تعيشها وزارة التربية والتعليم هي جزء من أجواء المرحلة الجديدة في العمل الحكومي، ولكن هذه الوزارة تحديدا تحتل أولوية قصوى لدى أفراد المجتمع، والكل ينظر إلى محاولاتها لتصحيح مسار العملية التعليمية باهتمام استثنائي ليس فقط لأهمية التعليم ضمن مسيرة التنمية ولكن أيضا لأن حجم الإشكاليات التي تعانيها هذه الوزارة تحديدا، من الضخامة والتشعب والتراكم والتعقيد ما يجعل التعامل معها أمرا شاقا، ويحتاج إلى جهود متواصلة وإرادة هائلة تمتلك الكثير من الصبر والمقدرة على التخطيط ثم متابعة التنفيذ وقياس النتائج وردود الأفعال وتصحيح المسار إلى أن نصل إلى الطريق التعليمي القويم الذي ننشده.
الواضح أن الوزير الدكتور حنيف حسن ليس من هواة القرارات العشوائية المتسرعة وهذا مؤشر صحي جيد لمستقبل العملية التعليمية، فالأنباء التي تشير إلى إحالة العديد من القضايا المتراكمة إلى البحث والدراسة هي ما يحتاج الجميع إلى الاستماع إليه لأننا لا نمتلك رفاهية هدر الوقت في اتخاذ قرارات غير مدروسة ثم معالجتها بقرارات أخرى أكثر عشوائية، وهكذا نسقط في فخ هدر الوقت ودوامة الفشل الإداري ونعود لاجترار الحديث عن ضرورات إصلاح المسار.
البداية كانت صحيحة من خلال التركيز على استعادة هيبة المدرس والقضاء على مركزية القرار ومنح هامش حركة للمناطق التعليمية ومديري المدارس، وهذه خطوات مبشرة، ولكن تبقى ملفات حيوية وصعبة منها تطوير المناهج التعليمية والبنى التحتية ومعالجة أوجه القصور التي تجعل من المدارس الحكومية بيئة طاردة لمصلحة مدارس القطاع الخاص وإشراك القطاع الخاص في تطوير العملية التعليمية والقضاء على العنف المدرسي، وتأهيل المعلمين وإعادة النظر في طرق التقويم والامتحانات بما يغرس ثقافة البحث العلمي وينمي مهارات التحليل والنقد والإبداع لدى الطلاب ويقضي على شبح الامتحانات الذي يغذي سوق الدروس الخصوصية التي تحولت إلى ظاهرة شائعة ومطلوبة بإلحاح في السنوات الأخيرة، ناهيك عن السيطرة على المدارس الخاصة وترويض المخالف منها وإلزامها بشروط الوزارة سواء من حيث المناهج والمباني التعليمية أو علاقات العمل مع هيئات التدريس بها.
إن إصلاح أحوال التعليم هو أساس انطلاقتنا التنموية وهو رهاننا الحقيقي على مستقبل واعد، ولذا فإن المسؤوليات الملقاة على كاهل الوزارة تبقى صعبة وتحتاج إلى مساندة مجتمعية- إعلامية، شاملة للوزير كي ينجح في تنفيذ أجندة الإصلاح والتطوير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية