كنت أدرك تماماً منذ مدة، أن اللغة العربية تواجه أزمة خطيرة منذ سنوات طويلة، وأن هذه الأزمة تتركز في العديد من الأسباب والمؤشرات التي تعاني منها اللغة العربية، والتي تحدث عنها الكثير من الباحثين والدارسين والكتاب والمختصين في عالم اللغة العربية. وكان أخطرها دخول اللغات الأجنبية في مواجهة صدامية وصراع مستمر معها في بلادها الأم، وبالأخص اللغة الإنجليزية خاصة بعد ظهور فخ العولمة، حيث أصبح استعمال اللغة الإنجليزية في مجالات الحياة اليومية المختلفة، أمراً يفوق استعمال اللغة العربية. أصبح البيت والشارع والمدرسة والجامعة والسوق والعمل والسينما والإعلام، تتحدث كلها باللغة الإنجليزية. وأصبح لزاماً على المواطن الإماراتي كتابة وثائقه البنكية بالإنجليزية، وكذلك الشأن في القطاعات الأخرى، إلى درجة أن وصلت اللغة العربية عندنا في الكثير من القطاعات أن تصبح لغة ثانية أو ثالثة. وخطورة هذه الحالة بدت واضحة جداً من خلال المؤشرات التالية:
1- اعتماد عدد من الجامعات الحكومية اللغة الإنجليزية لغة التدريس، وتحول بعض الكليات العلمية وبعض المساقات في كلية العلوم الإنسانية وكلية التربية في جامعة الإمارات، إلى التدريس باللغة الإنجليزية.
2- اشتراط اللغة الإنجليزية للدخول في الجامعات والكليات الحكومية، والذي تمثل في فرض امتحان "سيبا"، ويعني قياس الكفاءة التربوية في اللغة الإنجليزية على طلاب الثانوية العامة كشرط للدخول إلى الجامعات والكليات.
3- اشتراط اللغة الإنجليزية للحصول على وظيفة.
4- زيادة كثافة عدد المدارس الأجنبية والجامعات الأجنبية وزيادة كثافة إقبال المواطنين للدراسة فيها.
5- المشروع الذي لا زال قيد الدراسة والذي تحدثت عنه بعض الصحف المحلية، بخصوص تدريس العلوم والرياضيات في المدارس العامة باللغة الإنجليزية.
6- الرسالة التي وصلتني باللغة الإنجليزية من إحدى المؤسسات الوطنية الخدمية، والتي تتميز بأن كل قياداتها مواطنة، ووجه الاستغراب والتعجب أن هذه المؤسسة كانت حريصة دائماً على أن تكون رسائلها باللغة العربية، لكنها هذه المرة حذفت اللغة العربية من قاموس رسائلها المعتمدة إلى العملاء، وأصبحت تعتمد في خطابها الجديد مع العملاء على اللغة الإنجليزية وكأنها في دولة أجنبية.
7- تزايد الأصوات التي تؤيد تبني سياسة فرض اللغة الإنجليزية في التعليم وسوق العمل والأبحاث العلمية.
8- الشعور المقلق الذي حدثني به أحد زوار الدولة -بريطاني الجنسية من أصل عربي- والذي أبدى شعوره وخوفه من انقراض اللغة العربية بسبب الوضع الخطير الذي وصلت إليه عندنا، وباقي دول الخليج، أمام هيمنة وسيطرة اللغة الإنجليزية والخليط اللغوي الناتج من غرق المنطقة في ثقافة العمالة الوافدة، وبالأخص الآسيوية، وخطورة تأثير ذلك على هوية ولغة المنطقة بأكملها في المستقبل القريب.
إن هذه المؤشرات التي أودرناها، هي في الحقيقة تشريح لهذا الواقع المرير والمؤلم، الذي أصبح يتجه بقوة منذ سنوات لإعطاء اللغة الإنجليزية الأولوية في قطاعات ومجالات المجتمع المختلفة، حتى أصبحت اللغة العربية تعاني الآن من أزمة كبيرة وواقع مؤلم، أصبحت آثاره تبدو واضحة في الخليط اللغوي والمصطلحات الأجنبية التي دخلت في مكونات اللسان الإماراتي العربي، والتي أصبحت تشوه صحة وصفاء هذا اللسان في حديثه وخطابه وكتابته باللغة العربية. وأيضاً تبدو واضحة في الكثير من الدراسات التي تشير نتائجها إلى تدني مستوى اللغة العربية عند الطالب الإماراتي، وبخاصة ما أشارت إليه د. لطيفة النجار من وجود طلاب في المرحلة الجامعية لا يفرقون بين التاء المفتوحة والمربوطة، بالرغم من حصولهم على معدلات نجاح تصل إلى 98% في امتحان الثانوية العامة، وإلى تدني مستواهم في مهارات المحادثة، وما أشار إليه أحد المسؤولين المختصين في وزارة التربية والتعليم، أنه من بين كل 25 طالباً وطالبة في الصفين الأول والثاني الابتدائي فإن 20 طالباً لا يعرفون اللغة العربية ولا يميزون حروفها ولا يملكون أدوات استخدامها.
هذا التوجه شديد الحدة نحو تغليب اللغة الأجنبية على اللغة القومية الوطنية، لغتنا العربية، بما يحمله من آثار خطيرة في تصوري يحتاج إلى وقفة جادة وإلى مراجعة دقيقة ودراسة منهجية عميقة، خاصة بعد أن تحول لدى البعض إلى حالة من "الهزيمة النفسية" المشحونة بنزعة الانسياق الأعمى وراء لغة وثقافة الأقوى.