تتردد في الآونة الأخيرة وبصفة شبه دائمة على مجالس مواطني دولة الإمارات مفردات ومفاهيم سياسية كانوا إلى وقت قريب يستمعون إليها من خلال متابعتهم لنشرات الأخبار ومن خلال مراقبة ما يجري في بعض دول الجوار من حراك سياسي، وعما قليل سيتعامل الإماراتيون مع تلك المفردات باعتبارها واقعاً في الحياة اليومية مثل باقي الدول التي سبقتهم في استخدامها وهي: الانتخابات البرلمانية أو التشريعية.. المرشح.. الناخب.. الحملات الانتخابية.. الإعلان الانتخابي.. وغيرها من المفردات التي توحي بمناخ جديدة وروح جديدة من المشاركة السياسية في دولة الإمارات.
فمنذ إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة عن النظام الجديد لتشكيل المجلس الوطني الاتحادي، تمر الحياة السياسية في الإمارات بمرحلة جديدة في ضوء أبرز تغييرين يتوقع أن يشهدهما المجلس القادم، التغير الأول تمكين المرأة الإماراتية سياسياً بشكل أكثر وضوحاً وقوة. والتغير الثاني يتمثل في تزايد فرص دخول أجيال الشباب. وقريباً وفي غضون أقل من شهر من الآن، سترفع دواوين حكام الإمارات قوائم مرشحيها من الذين سيمثلون إماراتهم في المجلس الوطني الاتحادي الذي سيتشكل لأول مرة منذ إنشائه في عام 1972 وفق النظام الجديد باستخدام طريقتي التعيين والانتخاب بحيث يكون نصف أعضائه منتخباً والنصف الآخر معيناً من قبل حاكم الإمارة التابع لها.
يكاد يتفق الكثيرون من المثقفين الإماراتيين في حديثهم حول المجلس الوطني الاتحادي القادم سواء أكان ذلك الحديث رسمياً أو أنه نوعاً من "الدردشة" أو مع أشخاص من خارج الدولة، على أن تجربة انتخاب المجلس الوطني في دولة الإمارات هي تجربة جديدة شكلاً ومضموناً ولكن نجاحها يحتاج إلى مجموعة من القيم والأنماط الجديدة أيضاً لتحل محل القيم القديمة كي لا تكون التجربة الحالية عبارة عن انتقال شكلي فقط لمرحلة مهمة في طريقة تغير أسلوب تشكيل إحدى أهم خمس سلطات اتحادية في الدولة، فأي انتقال شكلي في نظر هؤلاء المثقفين يعتبر أكثر ضرراً وخطورة من البقاء بما هو موجود الآن ويؤكدون أن هناك تجارب برلمانية إقليمية في كيفية اختيار الأعضاء أو نوعيتهم أكدت ذلك، فمن باب أولى إذاً أن تستفيد الإمارات من تلك التجارب، لكي تكون الانطلاقة الأولى قوية!!.
يتمثل الاختبار الحقيقي لهذه لتجربة البرلمانية في أن تشتمل على كافة جوانب الشرائح المجتمعية رأسياً وأفقياً وأن لا تقتصر على شريحة أو مجموعة دون أخرى لأن هذه الشمولية هي البوابة الطبيعية لتعظيم المردود الإيجابي للمجلس الوطني مستقبلاً والمقصود بالاختبار هنا في نقطتين هما: أولا، تواجد المرأة الإماراتية في المجلس وذلك لنفتح المجال لها في حقيْ الانتخاب والترشح باعتبار أنه من خلال تواجدها في القوائم الانتخابية التي يتم تحديدها من قبل دواوين إمارات الدولة، والتي ترفع إلى وزارة شؤون الرئاسة، فهؤلاء الأعضاء يمثلون مجتمع الترشح والانتخاب لذا فإن اختيارها من قبل حكام الإمارات هو التحدي القادم. أما الاختبار الثاني، فهو تغيير أو تجديد الأشخاص والوجوه والدفع بدماء جديدة وطاقات شابة، فالمستقبل يحتاج إلى تجديد الدماء وإذا كان الأمر في السابق مقبولاً نتيجة لشح الموارد البشرية المؤهلة فإن الأمر الآن بات مختلفاً.
لا أشك في قناعة القيادات بضرورة تمكين المرأة وضمان تمثيلها في المجلس الوطني القادم خاصة وأن هناك إمارات قطعت شوطاً كبيراً في إشراك المرأة في العمل السياسي والمجتمعي وتواجدت في المجالس التنفيذية لتلك الإمارات وكذلك في المجالس الاقتصادية، ولن يكون الأمر مقبولاً إذا استثنت بعض الإمارات اختيار المرأة ضمن تلك القوائم لأن ذلك يعني ببساطة أننا نحرم مجتمع الإمارة نفسها من شريحة كبيرة ومهمة عن طريق حصر دائرة الاختيار في نصف قوة المجتمع أو أقل وحصر المشاركة السياسية في دائرة محدودة من الشخصيات.