يجلس المواطن الفلسطيني الآن أمام شاشة التلفاز أو بجانب الراديو يستمع إلى الأخبار وينتظر أي جديد حول رواتب الموظفين ومواقف دول العالم من الإفراج عن المساعدات التي تقدم للفلسطينيين أو فتح المعابر لدخول البضائع والمواد الغذائية الأساسية أو أسعار الوقود...
لا يهم الفلسطينيين الكلام الذي يدور حول سيارة رئيس المجلس التشريعي الحالي أو شقة رئيس المجلس التشريعي السابق.. ولا تهمهم تصريحات وزير الثقافة حول محاربة الرقص الشرقي، أو الحديث عن إقناع الموظفات بالحجاب وغيرها من القضايا الهامشية.. صحيح أن الشعب الفلسطيني مهتم بصراعه مع إسرائيل ولكن لقمة العيش التي تحتاج إليها أسرته وأطفاله لا يمكن أن يتجاهلها.. وهذا ما يجب أن تدركه "حماس" وتدركه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي أوقفت مساعدتها عن الفلسطينيين "عقابا" لهم لاختيارهم "حماس" في انتخابات ديمقراطية سليمة!! وعلى الرغم من الوعود العربية التي حصلت عليها "حماس" بتقديم الدعم لها وعلى الرغم من "الفتاوى الدينية الخاصة" التي صدرت بوجوب دعم المسلمين لها مادياً إلا أنها في مأزق حقيقي والشعب الفلسطيني كذلك.
الوضع في فلسطين هذه الأيام تراجيدي لأبعد الحدود فالدول العربية لم تلتزم بوعودها تقديم المساعدات للفلسطينيين والإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي أعلنت رسمياً وقف جميع مساعداتها المالية عن السلطة الفلسطينية.. أما الحكومة الإسرائيلية فقد أعلنت قطع كل اتصالاتها مع السلطة، وعدم التمييز بين الرئيس محمود عباس أو حكومة "حماس".. وفي الوقت نفسه تشن القوات الإسرائيلية غارات يومية على قطاع غزة والضفة الغربية والجميع مستهدف.. إلى جانب كل ذلك فإن الشعب الفلسطيني يواجه هذه الأيام الجوع ونقص المواد الغذائية الرئيسية الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في عدد "الجوعى" وخصوصا بعد وقف تحويل أموال المساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
والتقرير الذي أعدته منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة وتم تسريب مضمونه الأسبوع الماضي، يؤكد على أن "قطاع غزة يعيش على شفا كارثة إنسانية.. وإذا لم يطرأ تغيير جوهري على الوضع فستقع في غزة كارثة كالتي وقعت في كوسوفا".. ورغم هذا التحذير الواضح إلا أن الغرب وإسرائيل يتجاهلان الكارثة الإنسانية في المناطق الفلسطينية، ولا يدركان أنها لا تخدم الاستقرار وأن توابع هذه الكارثة لن تقف عند الحدود الفلسطينية..
الأوضاع المتأزمة يمكن أن تؤدي إلى انفجار مدو وانتفاضة فلسطينية جديدة قد تستمر لسنوات وتحصد أرواح المئات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فما يحدث حتى هذه الساعة لا يقبله عقل أو منطق وإن كنا نختلف مع "حماس" وغير مقتنعين بها كحكومة للشعب الفلسطيني إلا أنه من غير المقبول أن يعاقب بهذا الشكل غير الإنساني بحيث لا يجد الغذاء والدواء والحليب.
لذا فإننا نفترض أن ينظر العالم بطريقة جادة إلى خطورة الاعتماد على قطع المساعدات المالية وإغلاق المعابر التي من خلالها تصل المواد الغذائية الأساسية للفلسطينيين كوسيلة للضغط على حركة "حماس" لتغيير توجهاتها الأيديولوجية لأن من الواضح أن من سيدفع ثمن هذا الضغط هو المواطن الفلسطيني والطفل الفلسطيني الذي لن يجد الحليب والدواء..
اللعبة الإسرائيلية صارت معروفة للفلسطينيين فالمرشحون عن الأحزاب الكبيرة في إسرائيل ومن أجل الحصول على نسبة أكبر من الأصوات في الانتخابات والحكومات الإسرائيلية ومن أجل الحصول على التأييد الشعبي عند اتخاذ أي قرار فإنهم يعملون دائماً على إبراز البعد الأمني واستغلاله إلى أقصى الحدود وفي الواقع لقد نجح شارون في أن يؤكد هذا التوجه لاسيما في ظل اشتعال انتفاضة الأقصى في 2001 ثم انتخابات 2003 وتمكن من استخدام الأمن في تعزيز موقعه الداخلي، وتنفيذ إجراءات أحادية الجانب لم يرَ معظم الإسرائيليين مفراً من القبول بها بذريعة الأمن وواضح أن استراتيجية أولمرت لا تختلف كثيراً عما قام به شارون فهو يدعي أنه ليس هناك شريك للسلام وبالتالي يضخم الهاجس الأمني لدى الإسرائيليين الأمر الذي يعطيه مساحة أكبر للحركة.
وبشكل عام من الواضح أن الوضع في فلسطين والأراضي المحتلة تغير فنتائج الانتخابات الفلسطينية كانت مفاجئة للعالم عندما تم الإعلان عن فوز "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي... أما في الأراضي المحتلة فإن نتائج الانتخابات الإسرائيلية كانت أيضا جديدة ومختلفة وذلك بفوز حزب "كاديما" الحديث بأكبر عدد مقاعد تلاه حزب "العمل" الذي حسّن من موقعه.. ومن ثم جاء "الليكود" الذي تراجع بشكل كبير -الأكبر في تاريخه- حيث حصل على 11 مقعداً فقط في حين أنه في انتخابات 2003 حصل على 38 مقعداً.
وعلى الرغم من الفوز الكبير لـ"حماس" إلا أن الكثيرين يرون أن حركة "حماس" قد تكون ارتكبت خطأً حقيقياً بقبولها تشكيل الحكومة الفلسطينية، وأنها ظلمت الشعب الفلسطيني قبل أن تظلم نفسها وخصوصا أننا إلى اليوم لا نرى أن لـ"حماس" أية نظرية خاصة لقيادة السلطة ولا بر