عندما يشير عقرب الساعة إلى الثالثة وثمان وعشرين دقيقة يومياً يقوم المهاجر الجزائري البالغ من العمر 28 عاماً بتحريك كرسيه قليلاً نحو الباب الخلفي لمنزله حيث يعرف جيداً أنه في الساعة الثالثة والنصف تماماً يجب أن تكون قدماه الاثنتان داخل منزله الواقع في شمال لندن. وهذا الرجل الذي لا نستطيع نشر اسمه بموجب أمر قضائي، الذي يرتدي شريحة اليكترونية على كاحله الأيسر، وغير المسموح له بالبقاء خارج منزله سوى 4 ساعات يومياً، كان قد تم إلقاء القبض عليه في لندن منذ أربع سنوات للاشتباه في وجود علاقة بينه وبين "الجماعة الإسلامية المسلحة" وهي تنظيم جزائري متطرف، وأمضى ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف في سجن يخضع لإجراءات حراسة مشددة قبل أن يتم وضعه أخيراً تحت ما يعرف بـ"الإقامة الجبرية الجزئية" في شهر أكتوبر الماضي انتظاراً لترحيله إلى بلاده.
ومحامي هذا الرجل يقول إنه لم توجه إليه تهمة رسمية، ولم يتم التحقيق معه، كما لم يتم إخباره عن الأدلة التي استندت إليها الشرطة في القبض عليه.
بعد مرور ما يزيد على أربع سنوات ونصف على الحادي عشر من سبتمبر، وبعد الهجمات المدمرة التي وقعت في مدريد ولندن، ازداد نطاق الجدل الدائر في الدول الديمقراطية الغربية، حول الموازنة بين ضرورات التصدي للإرهاب وبين الحريات الشخصية، وخصوصاً بعد تشديد الإجراءات القانونية التي تستخدمها الدول في التعامل مع المشتبه في علاقتهم بالإرهاب.
وهذا التنازع بين الأولويات ملحوظ بشكل خاص في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تجسد في السجال الداخلي الذي كان مثاراً قبل تجديد "القانون الوطني"، كما تجسد في الضجة العالمية المثارة ضد أميركا بسبب الانتهاكات التي ارتكبها جنودها سواء في سجن "أبوغريب" أو في معتقل "جوانتانامو".
والملاحظ أن الدول الأوروبية التي كانت تنتقد الإجراءات الأميركية المطبقة لمكافحة الإرهاب، قد قامت من جانبها بتوسيع نطاق المراقبة للمشتبه بهم، وكذلك زيادة نطاق الصلاحيات القانونية اللازمة للتعامل معهم. ويقول المحامون وخبراء القانون الدولي إن أوروبا هي الأخرى تعاني من تآكل بطيء للحريات المدنية، خصوصاً في الوقت الراهن الذي تقوم فيه الحكومة بإعطاء أولوية للوقاية من الهجمات الإرهابية على المسائل الخاصة بحماية حقوق الأفراد المشتبه بهم، والذين لم تتم إدانتهم بعد بارتكاب جرائم.
يذكر في هذا السياق أن معظم مواد القانون البريطاني، الذي يجرِّم أية محاولة من جانب أي شخص لـ"تمجيد الإرهاب" -وهي عبارة غامضة الصياغة في الحقيقة- قد دخل إلى حيز التنفيذ يوم الخميس الماضي، وأن كلاً من إيطاليا ونيوزيلندا قد قامتا بدورهما بتخفيف الشروط التي يمكن بموجبها للاستخبارات ممارسة التنصُّت على مكالمات المشتبه بهم. أما في فرنسا فقد أعطى القانون المشرعين سلطات أكبر للرقابة على الهواتف وشبكة الإنترنت. وفي ألمانيا تتم في الوقت الراهن أيضاً صياغة قانون يسمح لأجهزة الاستخبارات بالاطلاع على الحسابات البنكية ودفاتر تسجيل السيارات.
وحول هذا الأمر يقول "ألفارو جيل روبليز"، مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، وهو هيئة حكومية مشتركة تقوم برصد انتهاكات حقوق الإنسان: "إننا نقوم الآن بالعبث بأشياء كانت تعتبر غير قابلة للمساس بها منذ سنوات قليلة".
وتسعى بعض الدول الأوروبية للبحث عن طرق لإبعاد المشتبه بهم إلى بلادهم حتى لو كانت تعلم أن تلك البلاد تمارس التعذيب. وهذا الأمر يتناقض مع المعاهدات الرئيسية للأمم المتحدة وتلك التي أبرمتها الدول الأوروبية والتي تمنع الإبعاد إذا ما كان هناك احتمال لأن يواجه المشتبه بهم التعذيب في بلادهم.
ولكن تلك الحكومات تتبنى وجهة نظر تتماثل مع وجهة النظر التي تتبناها الجهات الأميركية الداعية إلى تشديد الإجراءات الأمنية والتي تقول إن الإرهاب الدولي يتطلب استخدام وسائل وأساليب جديدة للمواجهة، وخصوصاً أن القوانين الجنائية المطبقة حالياً لا تكفي للتعامل مع التهديد الذي يشكله الإرهاب.
ومن الاتجاهات البارزة في هذا المجال الاتجاه إلى زيادة مدة الحبس الاحتياطي وتشديد القيود على التمثيل القانوني للمشتبه بهم.
ففي شهر ديسمبر الماضي قامت فرنسا بتمديد فترة الاحتجاز للأشخاص المشتبه بعلاقاتهم بالإرهاب من 4 أيام إلى 6 أيام، كما أبقت على القانون الذي يحرم مثل هؤلاء الأشخاص من الاستعانة بمحام خلال الثلاثة أيام الأولى من الاحتجاز.
أما إيطاليا فقد مددت هي الأخرى فترة الاحتجاز من 12 يوماً إلى 24 يوماً للمشتبه بعلاقاتهم بالإرهاب، كما منحت تفويضاً للشرطة للتحقيق معهم في غياب محاميهم. وفي عام 2003، قامت أسبانيا بتمديد الفترة التي يمكن خلالها حبس الإرهابيين حبساً انفرادياً إلى 13 يوماً كحد أقصى.
أما بريطانيا فقد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك. فالقانون الأخير الخاص بمكافحة الإرهاب الذي أصدرته يضاعف الفترة التي يمكن فيها احتجاز أحد المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب إلى 28 يوماً في حين أن تلك المدة لم تكن تزيد على 48 ساعة عام