يتصدر التنافس على النفط أجندة الزيارة التي بدأها الرئيس الصيني "هو جينتاو" إلى البيت الأبيض يوم أمس الأربعاء. ومعلومٌ أن الرئيس الأميركي جورج بوش اعتبر في وقت سابق الإقبال الصيني المتزايد على النفط سبباً لارتفاع الأسعار محذراً بكين من مغبة السعي إلى "الهيمنة" على الإمدادات العالمية. ففي ظل ارتفاع الأسعار، حيث يباع خام النفط بأزيد من 70 دولاراً للبرميل فيما يدفع سائقو السيارات الأميركيون 3 دولارات مقابل الغالون الواحد من الغازولين، يرى المسؤولون الأميركيون أنه لا يمكن تحاشي الحديث عن هذا الموضوع في اللقاء الذي من المرتقب أن يعقد في المكتب البيضاوي بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني، كما حدث خلال زيارة بوش لبكين الخريف الماضي.
وإلى ذلك، تؤثر شهية الصين المفتوحة للنفط على موقفها من إيران، حيث أدى تصاعد الحرب الكلامية بين طهران وواشنطن بخصوص برنامج إيران النووي منذ الآن إلى عدم استقرار الأسواق النفطية. ولما كانت الصين، التي تعد عضواً دائم العضوية بمجلس الأمن الدولي، قد استثمرت مبالغ ضخمة في إيران، فإن موقفها من الموضوع أساسي وبالغ الأهمية.
وعندما وصل الرئيس "هو جينتاو" إلى سياتل، كان المفاوضون الصينيون والأميركيون يدرسون مقترحاً يقضي بإعلان الرئيسين الأميركي والصيني اعتزام بلديهما إجراء دراسة مشتركة حول حاجتهما إلى الطاقة باعتبارها سبيلاً لتلافي الصدام في العقود المقبلة، حيث يتوقع بعض الخبراء أن تصطدم حاجة الصين المتزايدة بسرعة إلى الطاقة المستوردة للحفاظ على نموها مع احتياجات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن الصين استهلكت في 2004 نحو 6.5 مليون برميل نفط يومياً، متجاوزة اليابان كثاني أكبر مستهلك للمنتجات النفطية. أما المستهلك الأول، وهي الولايات المتحدة، فتحتاج إلى نحو 20 مليون برميل نفط يومياً. وقد تكشف تركيز الإدارة الأميركية على الإقبال الصيني على النفط بشكل واضح عندما نُشرت نسخة منقحة من "استراتيجية الأمن القومي" الشهر الماضي وافق عليها الرئيس بوش، واحتوت على جزء جديد ينتقد للصين. وتقول الوثيقة: إن قادة ذلك البلد "يقومون بتوسيع أنشطتهم التجارية، ويتصرفون كما لو أنهم يمكنهم بطريقة ما (إقفال) إمدادات الطاقة حول العالم، والسعي إلى توجيه الأسواق بدلاً من فتحها، كما لو أنهم ينتهجون سياسة الميركانتيلية".
و"الميركانتيلية" مذهبٌ كان سائداً بعد مرحلة الإقطاعية، ويقوم على الحفاظ على مصالح الاقتصاد القومي عبر سن سياسة الحمائية والتجارة الخارجية والصادرات. والملاحظ أن مسؤولي الإدارة الأميركية استعملوه مراراً في الآونة الأخيرة لوصف سياسة الصين، كما كانوا يفعلون في الثمانينيات لوصف المقاربة التي كانت تعتمدها اليابان في التجارة العالمية. أما في حالة الصين، فقد تم توظيف هذه المفردة على نحو متزايد لرسم صورة لنسخة القرن الحادي والعشرين من "اللعبة الكبرى"، في إشارة إلى محاولات بسط السيطرة على آسيا الوسطى في القرن التاسع عشر، والتي يضاف فيها بحث الصين عن النفط إلى رغبتها في أن يكون لها تأثير أكبر يمتد من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية إلى الشرق الأوسط.
ويقول "مايكل جي. غرين"، الأستاذ بجامعة جورج تاون والمتخصص في الشؤون الصينية: "إنهم يقومون بشراء إمدادات نفط طويلة الأمد أينما وجدوها، بما في ذلك مناطق من قبيل السودان وإيران وبورما"، وأضاف: "يقولون إن سياستهم لا تؤذي أحداً لأنهم لا يتدخلون في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ونحن نقول إنها قطعاً ليست كذلك، لأنها تمول "السلوك السيئ" لتلك الأنظمة".
وقد بدأ النقاش العلني حول إقبال الصين المتزايد على مصادر النفط العالمية في سبتمبر المنصرم عندما ناشد نائب وزيرة الخارجية "روبرت بي. زوليك" الصين أن تكون "مساهماً مسؤولاً" على الساحة الدولية. واعتبر المسؤول الأميركي أنه يتعين على الصين "أن تعيد النظر في سياسة شراء النفط من بورما أو السودان فقط لأنه يمكنها ذلك"، وقال إن "تعامل الصين مع دول مشاغبة يشير في أفضل الأحوال إلى قصر نظر تجاه العواقب، وفي أسوئها إلى شيء ينذر بما هو أسوأ".
غير أن المسؤولين الصينيين قالوا إنهم أعجبوا بمعظم ما ورد في كلام "زوليك" من ملاحظات لأنها تشير في رأيهم إلى وجود مساواة بين الصين، باعتبارها قوة صاعدة، والولايات المتحدة، باعتبارها قوة موجودة. إلا أن المسؤولين الصينيين لم يستجيبوا حتى الآن لدعوة الإدارة الأميركية المنادية بضرورة إعادة النظر في سياستهم.
هذا ومن المرجح أن يقود الحديث حول موضوع النفط إلى ملف إيران النووي، فـ"سينوبيك"، وهي شركة نفطية صينية مملوكة للدولة، وقعت اتفاقا بـ70 مليار دولار مع الإيرانيين في نوفمبر 2004 بهدف تطوير حقل "يادافاران" النفطي. وتعتقد وزارة الطاقة الأميركية أن الحقل يمكنه "أن ينتج 300000 برميل نفط يومياً". فيما يرى المسؤولون أن مصلحة الصين وحرصها على الحفاظ على ذلك الاستثمار قائماً من ضمن الأسباب التي جعلتها