بالرغم من عدم انتشار استخدام تكنولوجيا الانترنت في المجتمعات العربية قياساً إلى مجتمعات أخرى، إلا أن الأرقام تشير إلى تصاعد مستخدمي الإنترنت بين قطاع الشباب وحتى الكبار. الإنترنت جزء من تكنولوجيا الاتصال صنعه الغرب لنا وانتشرت صناعته بشكل سريع بيننا وأدى إلى أن الكثير يُمضي ساعات عديدة أمام جهاز الكمبيوتر دون الإحساس بالوقت.
أجهزة الكمبيوتر منحتنا أشياء إيجابية كثيرة، فنحن نتخاطب مع أناس كثيرين ونحن في منازلنا، ونتعرف على بشر من خلال الصورة والصوت دون الاحتكاك معهم. والبعض وصل به الأمر إلى أن يتزوج من خلال الإنترنت ويكوِّن صداقات جديدة مع أشخاص ينتمون إلى عرقيات مختلفة وأديان متعددة، وكل ذلك جاء بفضل التكنولوجيا الحديثة التي غيرت كثيراً من معالم حياتنا.
الاتصال من خلال الإنترنت يبدو أنه قلل الفرصة لدى البعض من اكتساب مهارات الاتصال الاجتماعي ولا نعرف ماذا سيحدث خلال العقود القادمة للعلاقات البشرية والاجتماعية؟ وهل سيكتفي الناس بعلاقات الإنترنت كبديل للعلاقات المباشرة؟!
دعونا نفكر في تطور تكنولوجيا الاتصال وآثارها الاجتماعية، فعلى سبيل المثال عندما يتوجه الناس نحو الاتصال التقني فهل يا ترى ستتأثر صناعة الملابس والمكياج أو حتى التسوق الذي أصبح من خلال الإنترنت؟ المؤشرات تشير إلى أن الناس تفضل أن تدير كثيراً من أعمالها من خلال الإنترنت، وقد يكون في ذلك بعض من المحاسن حيث نستطيع أن نستفيد من الوقت بشكل أفضل، إلا أن السؤال الذي نطرحه أن التوسع في استخدام تقنية الاتصال الحديث له آثاره الاجتماعية، حيث يباعد البشر في الوقت الذي قاربت فيه العولمة المسافات الجغرافية وباعدت في المقابل المسافات الاجتماعية.
أتذكر عندما ظهرت صحافة الإنترنت أنه قيل إن ذلك سيؤثر على صحافة الورق، إلا أن الأمر على عكس ذلك حيث تبين أن قراءة الصحف اليومية أو المجلات لها جوانبها النفسية. فالكثير منا يرغب في قراءة جريدته المفضلة وهو على الفراش أو مع قهوة الصباح.
تقنية الاتصالات الحديثة كأجهزة الكمبيوتر أو الهواتف النقالة لها آثارها الاجتماعية الخفية وغير الملموسة، فاليوم الشباب يمضي ساعات كثيرة في غرف الدردشة وحتى الكبار أصبحوا يعانون من هذه المشكلة. من يقرأ الصحف يجد أن حتى الأزواج بدؤوا يتحدثون عن مشاكل الإنترنت في المنزل، فالزوج أو الزوجة قد يمضي أوقاتاً أمام شاشة الكمبيوتر مما يثير الاضطراب في العلاقات الأسرية.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال انتشرت ظاهرة تكوين العلاقات غير السوية مع الصغار، وبدأت كثير من الجهات الرسمية تتحدث عن خطورة انتشار هذه الظاهرة، بل وصل الأمر إلى إصدار تشريع جديد يعاقب الراشد على تكوين علاقة مع من لم يصل إلى سن الرشد. أما في المجتمعات العربية فمازالت تشريعاتنا قاصرة في التصدي لقضايا التقنية الحديثة ونحن بحاجة إلى تشريعات تعالج المستجدات الجديدة التي جاءت بها تقنية الاتصال الجديدة.
يبدو لنا أنه على الرغم من إيجابيات تقنية الاتصال الحديثة إلا أن هذه التقنية أساء الكثيرون استخدامها، وأصبحت لها نتائجها السلبية على علاقاتنا الاجتماعية. نعرف أن "الدردشة" استقطبت الصغار والكبار ولم تعد هذه الغرف نافعة بل تحولت في الآونة الأخيرة إلى مصدر لتفريغ الشحنات العاطفية، وأحياناً كثيرة أصبحت مصدراً لكثير من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها شبابنا.
تقنية الاتصالات الحديثة تمت إساءة استخدامها في ثقافتنا العربية حيث لم تسعَ إلى نشر الوعي بسبل استخدامها، وتحولت هذه التقنية إلى مصدر للفضائح الأخلاقية أو للتشهير. التقنية الحديثة عندما يتم تداولها في مجتمعاتنا لإشباع رغبات مريضة تؤدي إلى انتشار الانحراف والمشاكل الاجتماعية، ولا يمكن للدولة أن تمنع دخولها أو ضبطها حيث إن تقدم التكنولوجيا الحديثة لم يعد بمقدورنا وقفه، وإننا لا نملك إلا نشر الوعي بين شرائح المجتمع لخطورة التقنية الحديثة إذا ما أسيء استخدامها.