هل يمكن لتغيرات طفيفة في أسلوب الحياة اليومية، أن تضيف سنوات –وربما عقداً كاملاً- للفترة التي سيعيشها الشخص؟ إجابة هذا السؤال هي نعم مؤكدة، حسب نتائج دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين في جامعة كامبريدج ببريطانيا. هذه الدراسة التي تابعت أسلوب حياة أكثر من 25 ألف شخص ما بين سن الخامسة والأربعين والتاسعة والسبعين منذ عام 1993، هي جزء من دراسة أوسع، تشمل عشر دول أوروبية، وينخرط فيها أكثر من نصف مليون شخص. وتُعني الدراسات الجزئية العشر، بمتابعة جميع المشاركين، عبر استبيانات متكررة وفحوص طبية متعددة، من ناحية الغذاء، والبيئة، وأسلوب الحياة، والصحة العامة. وبظهور نتائج الجزء البريطاني من الدراسة هذا الأسبوع، أصبح مؤكداً بما لا يدع مجالاً للشك، أن تبني تغيرات صحية طفيفة في الممارسات اليومية، يمكنه أن يضيف عدة سنوات إلى العمر. حيث يمكن للتوقف عن التدخين، وممارسة المزيد من النشاط الرياضي، والاعتماد على التغذية الصحية، أن تزيد مجتمعة من متوسط عمر الشخص، بحيث يصبح مساوياً لمن يصغرونه بأحد عشر أو اثني عشر عاماً. فالتوقف عن التدخين وحده، نجح في إعادة عقارب الزمن للخلف فترة أربع أو خمس سنوات. بينما تسبب تناول خمس حصص يومياً من الفاكهة في مساواة عمر الشخص بمن هم أصغر منه بثلاث سنوات. وأخيراً تمكنت المقادير المعتدلة من الرياضة، في شطب ثلاث سنوات من عمر من يمارسوها بانتظام. وبالإضافة للتغيرات الثلاثة التي نصحت بها دراسة علماء كامبريدج هذا الأسبوع، يمكن أن نضيف نصيحتين أساسيتين للتمتع بصحة جيدة وحياة سعيدة. الأولى تتعلق باتخاذ الخطوات الضرورية لتقليص مقدار التوتر في حياتك، أما الثانية فتتعلق بمدى أهمية نيل قسط كافٍ من النوم بشكل يومي.
فالمعروف أن التوتر المزمن يؤدي إلى طائفة واسعة من الاضطرابات النفسية والعضوية. ففي حالات التوتر الشديد أو المزمن، يستجيب الجسم لتلك الظروف عبر إفراز نوعين من الهرمونات، الكورتيزون والأدرينالين، وهما الهرمونان المعروف عنهما تسببهما في رفع مستوى ضغط الدم، وتسارع دقات القلب، وزيادة معدلات التنفس. ومثل هذه التغيرات العضوية المصاحبة لفترات التوتر، تعتبر سبباً رئيسياً خلف الإصابة بارتفاع ضغط الدم المرضي، وتصلب الشرايين، واللذين تنتج عنهما بالتبعية زيادة احتمالات التعرض للذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. ولا تقتصر تأثيرات التوتر على الجهاز الدوري من قلب وشرايين فقط، بل تمتد أيضاً إلى بقية أعضاء ووظائف الجسم الحيوية، فتؤدي إلى زيادة احتمالات الإصابة بالسكري، والانتقاص من قدرة الجسم على الالتئام، وعلى الشفاء من الأمراض السرطانية. ويتعرض الجهاز الهضمي أيضاً في حالات التوتر لطائفة واسعة من الاضطرابات والعلل، مثل الإسهال، والإمساك، والمغص، والانتفاخ، والقرح الهضمية، والتهابات القولون.
أما بخصوص النصيحة المتعلقة بالنوم، فيكفي أن نتذكر أن الإنسان الطبيعي يفترض أن يقضي أكثر من ثلث حياته على هذا الكوكب، مستغرقاً في سبات عميق، كي ندرك مدى أهمية النوم كعملية فسيولوجية ضرورية للبقاء على قيد الحياة. ورغم أن بيت الشعر الشهير يؤكد على أن النوم لا يطيل في الأعمار، ولا يقصر منها طول السهر، فإن الأبحاث الطبية أثبتت عكس ذلك تماماً. فالدراسات الطبية الواحدة تلو الأخرى، أثبتت جميعها أن الحرمان من النوم يتسبب في زيادة احتمالات الإصابة بالسكري، وبالسمنة، وبالقصور في الوظائف الحركية. ففي دراسة شهيرة أجريت في التسعينيات، ثبت أن الحرمان من النوم يؤثر سلباً، بشكل كبير، في قدرة الجسم البشري على التعامل مع سكر الجلوكوز، وهو ما يعادل المراحل المبكرة من داء السكري. وفي العام الماضي، ومن خلال دراسة أخرى أجريت على حوالى عشرة آلاف شخص، ألقى العلماء باللوم على انخفاض عدد الساعات التي أصبح الأميركيون يقضونها في مخادعهم، كنتيجة لطبيعة الحياة في المجتمعات المدنية الحديثة، كسبب مهم خلف وباء السمنة الذي ينتشر حالياً في الولايات المتحدة.
والغريب، والمؤسف في نفس الوقت، أنه على الرغم من بساطة النصائح الخمس السابقة، المتمثلة في الامتناع عن التدخين، وممارسة الرياضة، وتناول الفاكهة والخضروات بمقادير كافية يومياً، والابتعاد عن مسببات القلق والتوتر، وأخذ قسط كافٍ من الراحة يوميا، نجد أن الكثيرين يفشلون في اتباع أي منها، أو جزء كبير منها على الأقل. وهو ما ينتج عنه عدد هائل من الوفيات المبكرة، وعدد أضخم من الإعاقات الصحية والبدنية. فأمراض شرايين القلب، يمكن للنصائح السابقة أن تخفض إلى حد كبير من معدلات انتشارها، ولكن للأسف لا زالت هذه الطائفة من الأمراض تقتل سنوياً أكثر من سبعة ملايين شخص، أو ما يعادل 13% من وفيات أفراد الجنس البشري كل عام، مما يضعها على رأس قائمة القتلة الكبار. أما المركز الثاني على هذه القائمة فتحتله شرايين المخ، والتي يمكن للنصائح السابقة أن تخفض أيضاً معدلات انتشارها إلى حد كبير، ولكن لا زالت تتسبب في مقتل أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون شخص سن