أخشى أن تكون مشكلتنا كعرب هي أننا لا نعرف ماذا نريد؛ ففي العراق بقيت الدول العربية تتفرج على الغزو الاميركي ولم تحرك ساكناً، ولما شعرت بأن الوجود والتأثير الإيراني بدأ يقوى صرنا نتهم إيران بالتدخل في شؤون العراق بل وإدارة الأزمة في العراق وفي المنطقة. اليوم يكرر العرب الخطأ نفسه، ويسمحون لإيران بالتدخل في العمق العربي من خلال اتهامها بأنها وراء عملية "حزب الله" الأخيرة وأنها تنقل حربها مع الولايات المتحدة إلى لبنان، والغريب أننا نواجه التدخلات الإيرانية الخطيرة في المنطقة من خلال "الزعيق" الإعلامي عبر الفضائيات والصحف، وليس من خلال العمل الجدي، فإذا كنا مقتنعين بأن إيران تتدخل في المنطقة فيجب أن نعرف لماذا؟ وما الذي جعلها تتواجد بالقوة التي نراها هذه الأيام لدرجة أنها صارت هي التي تعلق على حرب لبنان مع إسرائيل وتقبل وترفض وتهدد وتفاوض وليس العرب! إنه منطق الوجود الذي يقول بأن الواقع لا يؤمن بالفراغ، فأي فراغ لابد وأن يملؤه شيء. وبما أن العرب تركوا فراغاً في العراق وجدت إيران فرصتها كي تملأ هذا الفراغ ونفس الأمر يحدث في لبنان، فترك العرب للساحة في لبنان سهل من دخول إيران لهذه الساحة وملئها لهذا الفراغ. كل المجازر التي حدثت في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية بقينا نتفرج عليها كعرب والمبرر، أنها حرب "حزب الله" ومغامرته التي ورط نفسه فيها، ويجب أن يخرج منها بنفسه دون مساعدة أحد. وهذه لم تكن الحقيقة بل هي جزء من الحقيقة، لأن مغامرة "حزب الله"، دفع ثمنها المواطنون اللبنانيون وليس "حزب الله" وحده، فكان من باب أولى أن يكون للعرب موقف إيجابي مما يحدث للبنان–الطبع- ليس بتأييد ما قام به "حزب الله"، ولكن بالعمل على الحد من أضرار تلك المغامرة الكبيرة التي قد تأخذ بالمنطقة إلى المجهول. صحيح أن من تورط في هذه الحرب هو "حزب الله"، ولكنني اختلف مع من يقول عليه إن ينهيها، فالمنطق يقول إن على الدولة اللبنانية والعرب أن ينهوا هذه الحرب، لأنها تستهدف لبنان وشعبه وليس "حزب الله" فقط. ليس غريباً أبداً التعاطف الشعبي العربي مع عمليات "حزب الله" في هذه الحرب المفتوحة مع إسرائيل، فحلم مواجهة العدو المشترك وتحقيق نصر وإن كان بسيطاً وشكلياً يراود كل عربي ومسلم ينتظر اليوم الذي يرى فيه الإسرائيليين يتجرعون من الكأس نفسه، الذي يذيقونه للشعب الفلسطيني يومياً ومنذ سنوات طويلة. ولكن ليسمح لنا الفرِحون أن نعود إلى الواقع قليلاً وإلى الحقيقة، التي لا نستطيع أن نغفل عنها كثيراً، وان أخذتنا نشوة النصر ساعات من الزمان... والحقيقة هي أن "حزب الله" أراد أن تكون هذه الحرب حربه والانتصار فيها انتصاره هو وليس العرب، ولا حتى اللبنانيين، إن كان من يدفع الثمن الحقيقي للحرب هو الشعب اللبناني الذي اختار أن يقف مع "حزب الله" ضد العدوان الإسرائيلي عليه. وليسمح لنا الفرحون إن تسببنا في إفساد فرحتهم بعودتنا إلى الحقيقة التي تقول بأن إيران هي المستفيد الأكبر من هذه الحرب سواء كان لها يد في اندلاعها أو لم يكن. بحكم ولائها المطلق لإيران هناك من يرى أن في انتصار "حزب الله" خطرا على أمن ومستقبل المنطقة، فما تزال هناك فئات كثيرة من العرب غير مطمئنة لدوافع هذه العملية وخصوصاً أن تعهدات حزب الله السابقة كانت بألا يقوم بأية عمليات خلال الصيف الحالي إلا أنه بقيامه بعملية "الوعد الصادق" لم يلتزم بوعده ولم يصدق. إذا من المهم أن نتساءل هل هو فخ نصبه السيد حسن نصر الله للدول العربية لكي تدخل حربا مع إسرائيل؟ هل هذه حرب إسرائيل مع منفذي سياسة إيران؟ وإن كان فهل لباقي الدول العربية علاقة بذلك؟! وسؤال آخر يحتاج إلى إجابة ألا يعتبر انتصار "حزب الله" انتصاراً لإيران؟! هل يضمن أحد ألا يتسبب انتصار "حزب الله" في فتنة دينية في كل الدول والشعوب العربية؟! هل انتصار "حزب الله" لا يساهم في تجدد انتعاش الحلم "الصفوي" القديم وبالتالي نجاح الإيرانيين في التوسع شرقًا وغرباً على افتراض عاطفية الأغلبية العربية باعتقاد أنهم من انتصر على إسرائيل، بغض النظر عن حجم هذا الانتصار وحقيقته ونتائجه. المغامرة لم تكن مغامرة "حزب الله" فقط، بل كانت أيضاً مغامرة إسرائيلية، فقد استعجل الإسرائيليون كثيراً في ردة فعلهم كما أنهم تمادوا في وحشيتهم وإبراز فنونهم في القتل والحرق والتدمير، فماذا ستكون نتيجة جنون مغامرين متطرفين؟! المجتمع الدولي لم يعد يرجو منه العرب أن يفعل شيئاً للبنان أو للعرب بشكل عام، فالأمم المتحدة مقيدة بـ"الفيتو" الأميركي الذي سيعارض أي قرار ضد إسرائيل... أما جامعة الدول العربية فقد اجتمع وزراء الخارجية العرب فيها وأعلنوا ما هو غير مهم، فقد أعلن أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى "موت" عملية السلام ويبدو أن جميع العرب من المحيط إلى الخليج كانوا يعرفون هذه الحقيقة إلا جامعتنا التي ربما ما تزال حتى هذه الساعة تؤمن بالسلام مع إسرائيل! العالم بكل "إنسانية" يدعو إلى فك أسر الجنديين الإسرائيليين، ولكن أحداً لم يتكلم عن فك أسر عشرات الأسرى اللبنانيين وآلاف الأسرى الفلسطينيين. وبعد ذلك تريد مجموعة الثماني الكبار ألا يكون هناك عنف في المنطقة، وألا تظهر مجموعات إرهابية!... يجب أن نعترف - وان كان هذا الكلام سيعكر صفو البعض- بأن السبب الرئيسي لظهور حركات الإرهاب كـ"القاعدة" وأمثالها وحركات المقاومة كـ"حزب الله" في لبنان و"حماس" في فلسطين وغيرهما هو عجز الحكومات العربية والجامعة العربية والعالم عن إيقاف إسرائيل عند حدها ومنعها من البطش بالفلسطينيين كل يوم وأكبر مثال ما يحدث اليوم في لبنان وغزة.. وهذه حقيقة لا يجب القفز عليها أو اعتبارها من المبالغات. واضح تماماً أنه لم يكن هدف إسرائيل من وراء الهجوم الهمجي على لبنان هو فك أسر الجنديين الإسرائيليين اللذين أسرهما "حزب الله" وإنما كانت هناك أهداف أعمق وأخطر، ففضلاً عن هدف القضاء على" حزب الله" نهائياً كان هناك هدف واضح وهو قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية للدولة اللبنانية لإثارة الرأي العام ضد الحزب– وهذا ما لم تنجح فيه عمليات الإسرائيليين حتى ساعة كتابة هذا المقال- والأمر الآخر هو أن إسرائيل أرادت أن تفرض واقع أحادية القوة الرادعة في الصراع العربي الإسرائيلي والتي تبقى حكراً على إسرائيل وهذا ما لم يحدث –حتى هذه الساعة أيضاً- بل العكس هو الذي حدث، فعملية أمطار الصيف في فلسطين لم تثنِ "حماس" أو تجبرها على تسليم الجندي الإسرائيلي المأسور وكذلك الحرب الشاملة على لبنان لم تنجح في إجبار "حزب الله" على تسليم الجنديين الأسيرين، بل على العكس كشفت هذه الحرب أن هناك معادلة في ميزان القوى وأن إسرائيل ليست الوحيدة المستعدة "للقتل والتدمير وقتل الأبرياء والتضحية بهم" وهذا ما قد يجعل إسرائيل تعيد حساباتها في المواجهة العسكرية من جديد. ما تفعله إسرائيل هو عقوبة جماعية شاملة على سكان قطاع غزة ولبنان, أما جرائم الحرب التي تقوم بها فيفترض أن لا يقف العالم متفرجاً عليها، فتدميرها محطات الطاقة والطرق والجسور, وقصفها مطار بيروت الدولي وإغلاق الموانئ اللبنانية وقصف طريق دمشق-بيروت للمرور السريع والقصف المكثف للضواحي الجنوبية من بيروت وهي مناطق سكنية مليئة بالأبرياء بالإضافة إلى فرض الحصار الشامل على لبنان وأهله، وإغارة المروحيات على سيارات النازحين، وارتكاب المجازر على مدار الأربع والعشرين ساعة واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً... كل ذلك ألا يعتبر جرائم حرب وإرهاب دولة أم أن أسر جنديين يبررها؟!