قرر وزراء دول الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين الماضي، الاستمرار في توفير الدعم المالي للأبحاث المتعلقة بالخلايا الجذعية الجنينية، وإنْ كان هذا القرار لم يأتِ بموافقة ورضاء جميع الدول الأعضاء. فرغم أن غالبية أفراد المجتمع العلمي يؤمنون بقدرة هذه الخلايا على توفير أساليب علاجية جديدة لطائفة واسعة من الأمراض، فإن بعض الدول، مثل النمسا وبولندا ومالطا وليتوانيا ولكسمبورج، قد أظهرت معارضة لاستمرار الدعم المالي الأوروبي للأبحاث في الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة. وحتى دول مثل ألمانيا وإيطاليا وسلوفانيا، لم تتراجع عن معارضتها إلا بعد تضمن القرار لتدابير تحرم تدمير الأجنة لغرض الحصول على الخلايا الجذعية منها. وكان يمكن لهذه الدول الثماني مجتمعة، أن تعرقل ميزانية البحث العلمي برمته في الاتحاد الأوروبي بين عامي 2007 و 2013، والتي تقدر بأكثر من 54 مليار يورو، ولا يزيد نصيب الخلايا الجذعية منها عن النزر البسيط، لو لم تسقط ألمانيا وإيطاليا وسلوفانيا معارضتها مقابل تحريم تدمير الأجنة. وهو الموقف الذي عبرت عنه وزيرة البحث العلمي الألمانية "آنيت شافان" (Annette Schavan) بقولها: "لا بد أن نحمي الحياة البشرية منذ لحظاتها الأولى. ولا نريد أي حافز مالي يشجع على قتل الأجنة". وهو ما أيده أيضا "جانيز بوتوسنيك" (Janez Potocnick)، المفوض الأوروبي للعلوم والأبحاث، عندما أكد أن الاتحاد الأوروبي لن يمول الخطوات الأولى للحصول على الخلايا، والتي تؤدي إلى قتل الجنين، وإن كان سيمول الخطوات اللاحقة التي تستخدم هذه الخلايا. وبنظرة سريعة إلى هذا الموقف، نجد أنه مثال واضح على انفصام الشخصية الأخلاقي، والذي يعاني منه العالم في تعامله مع قضية الخلايا الجذعية الجنينية المصدر. فملخص الموقف الأوروبي، أننا لن نمول عملية القتل، ولكننا سنمول الاستفادة من نتائج عملية القتل تلك. مثل هذا الانفصام الأخلاقي الأوروبي، نجده مماثلاً للانفصام الأخلاقي الأميركي حول الموضوع ذاته. ففي نهاية الأسبوع الماضي، استخدم الرئيس الأميركي حق "الفيتو"، ولأول مرة منذ توليه الرئاسة قبل ستة أعوام، لوقف مشروع قانون كان قد مرر من قبل مجلس "الشيوخ" في الثامن عشر من الشهر الجاري. هذا القانون الذي عرف بقانون تحسين أبحاث الخلايا الجذعية (Stem Cell Research Enhancement Act)، كان قد حظي بدعم 63 من أعضاء مجلس "الشيوخ"، ومعارضة 37 منهم. ولكن بهذا العدد، نقص عدد المؤيدين للقرار في مجلس "الشيوخ" عن الثلثين، وهو ما أتاح للرئيس الأميركي فرصة استخدام حق "الفيتو" لإسقاطه. هذا على الرغم من أن مجلس "الشيوخ"، مرر في نفس الوقت قانونين آخرين وبإجماع الأصوات؛ أولهما يحث ويشجع على دعم أبحاث الخلايا الجذعية المأخوذة من البالغين وليس الأجنة، أما ثانيهما فيحرم الحمل، ومن ثم إسقاط الجنين، لغرض البحث العلمي. وهما القانونان اللذان يتوقع أن يصدق عليهما الرئيس جورج بوش ليدخلا حيز التنفيذ. وكان هذا الصراع السياسي والقانوني، وما يظهره من حالة انفصام أخلاقي، قد بدأ منذ أن أدرك الأطباء القدرات الخارقة للخلايا الجذعية على تكوين الأنسجة والأعضاء والخلايا الأخرى، وراودتهم الأحلام في استئناس هذه الخلايا وتوجيهها إلى تشكيل نسيج محدد أو عضو معين. هذه الفكرة إذا ما نجح العلماء في تحقيقها، ستفتح الباب لمصدر لا ينضب لتخليق الأعضاء الجديدة وقت الحاجة، ومن ثم استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء لاستبدال الأعضاء التالفة كالقلب أو الكلى أو الرئتين، أو حتى لاستبدال الأعضاء التي فقدت نتيجة البتر كالأصابع واليدين والساقين. فمن الممكن عبر الاستنساخ العلاجي- وليس الاستنساخ الإنجابي- إنتاج خلايا جذعية تتطابق في التركيبة الوراثية مع خلايانا الطبيعية، يمكن أن تستخدم لاحقا لانتاج ما نريده من أعضاء وأنسجة متطابقة مع أنسجتنا وأعضائنا. هذا بالإضافة إلى أن توفر تلك الأعضاء وبأية كمية مطلوبة يعتبر ميزة لا تقدر بثمن، في زمن ازداد الطلب فيه بشدة على الأعضاء البشرية المتبرع بها وندر المتوفر منها. تحقيق هذه الأهداف يتطلب إجراء الكثير من الأبحاث على الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة، وهو ما يستوجب تدمير هذه الأجنة. هذا التدمير، أو بمعنى آخر الإجهاض المعملي، هو نقطة الخلاف بين المعسكرين. فالمعسكر المعارض، يرى أن الحياة البشرية تبدأ منذ اللحظات الأولى التالية للإخصاب، وبالتالي يصبح تدمير تلك الأجنة، لغرض الوصول إلى علاج للأمراض التي تصيب البعض، ما هو إلا تدمير لحياة بشرية بغرض إفادة آخرين. أما المعسكر الآخر المؤيد لهذه الأبحاث، فلا يفترض أن تعتمد هذه الأبحاث على تكوين أجنة خصيصا لغرض تدميرها لاحقاً. فهذا الفريق يطمح إلى استخدام (فوائض الأجنة) الناتجة من العلاج بأسلوب التلقيح الخارجي (أطفال الأنابيب). فالمعروف أن هذه العمليات ينتج عنها أجنة، أكثر مما يحتاجه الزوجان لإتمام عملية الحمل. هذه الأجنة يقدر عددها في الولايات المتحدة فقط بالآلاف، مصيرها جميعاً التدمير الحتمي في النهاية. وهو ما يجعل من موقف الفريق الآخر المعارض لاستخدام هذه الأجنة متصفا بالانفصام، حيث لا يطرح هذا الفريق حلاً لكيفية استخدام أو استغلال أو حتى تدمير هذا الفائض، ولكنه يعارض في الوقت ذاته استخدامه لغرض الأبحاث الساعية للعثور على علاج للكثير من الأمراض التي يرزح تحت وطأتها حاليا الملايين من أفراد الجنس البشري! د. أكمل عبد الحكيم