مضى على الحرب الإسرائيلية الطاحنة ضد لبنان الشقيق، أكثر من أسبوعين، وهي لا تزال مستمرة رغم عقد أكثر من مؤتمر إقليمي ودولي. فوزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة قبل أسبوعين، فشلوا في وضع تصور لكيفية مساعدة لبنان في محنته... وبعدها زارت وزيرة الخارجية الأميركية المنطقة، لكنها فشلت في إنهاء القتال أو وقف إطلاق النار، وكذلك فشل المؤتمر الدولي الذي عقد في روما الأسبوع الماضي. لكن عودة وزيرة الخارجية الأميركية للمنطقة قد تحمل مشروعاً جديداً مدعوماً من الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، تمهيداً لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي خاص بتشكيل القوة الدولية. السؤال: إلى أين تتجه المنطقة بعد عودة رايس لها مرة أخرى؟ وما تأثير هذه الحرب على منطقة الخليج العربية؟ التحرك الأميركي- البريطاني الأخير، جاء بعد فشل مؤتمر روما وعدم تحقيق إسرائيل الانتصارات المتوقعة... السؤال: لماذا فشل مؤتمر روما؟ من المتوقع أن تستمر عمليات الحرب لأسبوع ثالث حتى تتفق الدول العظمى على وقفها، فلا إسرائيل قادرة على تحقيق انتصار كامل على الأرض، ولا "حزب الله" قادر على أن يدمر إسرائيل أو يوقف زحفها وهمجيتها بصواريخه المحدودة الأثر... ولا الأمم المتحدة قادرة على إصدار بيان من مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار، إلا إذا وافقت أميركا على وقفها. واضح جداً بأن إسرائيل لن تستطيع تحقيق أهدافها على الأرض، على المستوى السياسي أو العسكري، ما تريده إسرائيل ومعها الولايات المتحدة هو تجريد "حزب الله" من سلاحه وانسحاب قواته من الحدود إلى داخل لبنان وخلق منطقة مجردة من السلاح وتمهيداً لوضع قوات دولية لمراقبة الأوضاع على الحدود. ماذا بعد فشل مؤتمر روما وعودة رايس للمنطقة، وما هي أسباب الفشل؟ أسباب الفشل واضحة وهي أن الولايات المتحدة جاءت بأجندة خاصة محددة المطلوب من الجميع في المنطقة، خصوصاً العرب، إذ المطلوب منهم تطبيقها وتنفيذها طوعاً أو قسراً... ما هي هذه الأجندة الأميركية المطلوب منا تطبيقها؟ هي إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة التي ازدادت المشاكل فيها... فقد أعلن الرئيس بوش هذه المطالب بقوله: على لبنان وسوريا نزع سلاح "حزب الله" تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 1559، وكذلك الضغط على السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئاسة لضرب المقاومة الفلسطينية خصوصاً "حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي"... كما طالب بفتح ملف التطبيع مع إسرائيل وإعادة العلاقة بين العرب وإسرائيل عبر المفاوضات المتعددة الأطراف. هذه المطالب الأميركية من الصعب على العرب حتى المعتدلين منهم قبولها، فهي إملاءات وأوامر يرفض أي قائد عربي لديه ذرة من الكرامة قبولها، خصوصاً أنها لا تحقق أياً من المطالب العربية المشروعة والتي أهمها قيام الدولة الفلسطينية في الأراضي العربية المحتلة عام 1967 . الولايات المتحدة عندما طرحت أفكارها الجديدة الخاصة بالمنطقة، لم تأخذ في الاعتبار الكثير من المتغيرات في المنطقة، والتي من أهمها تزايد النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان، "حزب الله" اللبناني ليس جماعة إرهابية مارقة، كما يتصور الأميركيون، بل هو حزب سياسي لديه قواعد عريضة من الجماهير اللبنانية الفقيرة التي تتمتع بالامتيازات التي يمنحها لها الحزب، من تعليم وصحة وخدمات ومصانع صغيرة وورش عمل وغيرها... ولا يمكن للولايات المتحدة تحقيق السلام في المنطقة بدون التفاوض مع سوريا وإيران و"حزب الله" و"حماس". علينا في الخليج أن نعي تبعات الحرب الدائرة في لبنان، فالتقسيمات الطائفية التي تعصف بالمنطقة والتي تدعمها بشكل مباشر وغير مباشر المؤسسات السياسية والدينية في إيران، قد نجحت في الهيمنة على قوى أساسية في العراق أدت إلى تمزيق العراق وتقسيمه طائفياً، بدعم مباشر من الولايات المتحدة... واليوم نشهد محاولات خبيثة لتمزيق وحدة الشعب اللبناني... المطلوب دعم الشعب اللبناني وحكومته في وجه الاعتداءات الإسرائيلية البغيضة... وضد القوى التي تحاول تمزيق وحدته الوطنية.