لم يستبعد السيد ياسر عبد ربه، (مهندس) اتفاق جنيف اللجوء الى حل السلطة الفلسطينية كرد على سياسة شارون الانفرادية الرامية الى تفتيت الأراضي الفلسطينية وحشر الفلسطينيين في معازل عنصرية· وقبل أكثر من أسبوع كتب الصديق علي الجرباوي، محاضر العلوم السياسية في جامعة بير زيت، مقالة مهمة في صحيفة (الحياة) اللندنية اقترح فيها أن يكون الرد الفلسطيني على شارون متمثلاً في حل السلطة، والقاء القفاز في وجهه، واعادة القضية الى شكلها الجوهري: احتلال عسكري من دون رتوش أو تخفيف· عملياً، لا يبدو أمام السلطة الرسمية الفلسطينية أي حل حقيقي فعال سوى هذا الحل· كل المبادرات والحلول والتنازلات التي بدأت قبل أكثر من اثني عشر عاما في مدريد لم تحقق على أرض الواقع أي اقتراب من الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية· اسرائيل في المقابل حصدت انتصارات تاريخية، ان على مستوى الاعتراف الفلسطيني والعربي بشرعية وجودها، أو بتقليص نسبة (الارض المتنازع عليها) الى أقل من ربع فلسطين التاريخية، أو على مستوى اقامة علاقات مع عدد من الدول العربية، رسمية أو غير رسمية·
نظرية الحل في أوسلو بسيطة، لكنها لئيمة في الوقت نفسه· كان المطلوب شطر فكرة النضال الفلسطيني القائمة على مقاومة الاحتلال، وتفريغها من الداخل عن طريق ايجاد وجهة أخرى لنضال مصطنع تكون باتجاه المحافظة المستميتة عن شكل سياسي محير يظن بعض الفلسطينيين أنه بداية الطريق نحو الاستقلال فيما يراه الآخرون تكريساً للاحتلال· والمهم أن هذا الشكل (السلطة) سيفصل بين الجيش المحتل والشعب الفلسطيني، بحيث يتوارى الاحتلال الى خلف الستارة، ويخضع هذه السلطة الى ضغوط لا تنتهي باتجاه انهاء ما تبقى من أشكال مقاومة مرتبطة بالجوهر الحقيقي للصراع: حرب ضد احتلال عسكري عنصري بشع· ليس القصد هنا، ولا المهم، توجيه اتهامات الى هذا الفريق أو ذاك بالتفريط، أو سوى ذلك· فمحاولة (فكرة أوسلو) كانت منطلقة من رؤية وطنية تريد كسر حاجز ظروف اقليمية ودولية صعبة همشت القضية الفلسطينية وهشمت التضامن العربي، بعد غزو العراق للكويت· لكن هذا لا يحجب حقيقة أن تلك الرؤية كانت قاصرة وضالة للطريق من البداية· فأوسلو وسلطته ونواتجه قفز فجأة ليحتل أفق النضال الفلسطيني، وليقطع الطريق على الانتفاضة الأولى، وليشتت البوصلة الفلسطينية، وليريح الاحتلال من مسؤولية مواجهة جريمته اليومية، وليزيل عبئا ضميرياً كبيراً عن الرأي العام العالمي· أصبحت السلطة الفلسطينية سلطة مطلوب منها أن تقوم بما لم تستطع اسرائيل القيام به · تتحمل الضغط، ثم مطلوب منها أن تنقله الى الفلسطينيين· بموازاة ذلك، كان الاحتلال يتكرس ويترسخ بلا هوادة· فالاستيطان يتضاعف، والتهويد يتزايد، والتطرف الاسرائيلي يتواصل· اذن كان هناك خطان متوازيان: خط الاحتلال وخط الايهام بأن ثمة حلا ما يتبلور للفلسطينيين· وفي حال انتفض الفلسطينيون ورفضوا هذه المعادلة المختلة، لأنهم وحدهم الأقدر على لمسها على أرض الواقع، كانوا هم الملامين في عيون كثير من الرأي العام العالمي لأنهم يضيعون الفرصة الذهبية!
بعد كل الذي قدمه الفلسطينيون، ولم يحصلوا لقاءه إلا على ضياع أكثر لحقوقهم، بل يراقبون كيف تسير فلسطين وأرضها وشعبها باتجاه نظام مؤسسي للتفرقة العنصرية، يبدو من المنطقي جداً التخلص من نظرية الخطين المتوازيين، وانهاء خط الايهام والتوهم· وعوضا عن الشعور بالضعف وبفقدان الأوراق في مواجهة اسرائيل والسياسة الشارونية العنصرية، يمكن التقاء خيط المواجهة المعاكسة وامتلاك زمام المبادرة عن طريق حل السلطة الفلسطينية، واجبار اسرائيل على التورط في المسؤوليات التي أزاحتها على السلطة وأراحت نفسها منها، لتتفرغ لتكريس الاحتلال بطرق أكثر دهاء ولؤما·
عندها ستكون اسرائيل أمام حلول أحلاها مر بالنسبة لها· أولها أنها ستتوتر أمنيا أكثر فأكثر وتعزز من نظام الفصل العنصري القائم على الجدار العازل، وسوف تضطر لأن تؤسس نظاما عنصريا رسمياً، يرث النظام الجنوب أفريقي· ففي غياب سلطة فلسطينية تكون مسؤولة عن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، فان المسؤولية ستكون مسؤولية اسرائيل· ضم فلسطينيي الضفة والقطاع قانونيا الى (اسرائيل) كمواطنين، ولو من الدرجة الثانية كما هم فلسطينيو الخط الأخضر، يعتبر كابوسا حقيقيا بالنسبة لصانع القرار الاسرائيلي، لأن ضم الاراضي هو الهدف، وليس السكان· فمثل ذلك الضم يعني كارثة ديموغرافية واستراتيجية· لذلك، سيأخذ الضم شكلاً عنصرياً، مواطنين لكن لا يحق لهم الانتخاب، ومحاصرين في معازلهم الخاصة بهم· وبهذا، تسقط الأقنعة المزيفة التي يختفي خلفها المشروع الصهيوني، ويظهر على حقيقته، وسيصب هذا في مصلحة النضال الفلسطيني لأنه سيوضح البوصلة ويزيل عنها أي غبش· عالمياً، ستكون اسرائيل هي الدولة العنصرية الوحيدة من نوعها القائمة على التمييز العنصري المؤسس·
الحل الآخر الذي لا يقل مرارة، اذا أرادت اسرائيل أن تهرب من هذا الحل، وتقبل بضم الأرض، الضفة الغر