ويليام فاف
كاتب ومحلل سياسي أميركي
حدث غزو العراق بعد 4 سنوات فقط من تدخل حلف الناتو في كوسوفو لطرد الجيش الصربي من جزء من بلاده، وقد أحدث الغزو فوضى في الجدل الدولي الدائر حول التدخلات العسكرية الإنسانية التي تنتهك القانون الدولي· وقد أنقذ حلف الناتو الأقلية المسلمة من القمع المدفوع بدوافع إثنية، غير أن الغزاة برّروا غزو العراق بحجة أن صدام حسين يمتلك أسلحة تدمير شامل قالوا إن من الممكن له أن يستخدمها للهجوم على إسرائيل أو قبرص أو لندن أو نيويورك وواشنطن·
لكن عندما ثبت أن هذا التهديد ليس إلاّ سلسلة من المعلومات التي أكل الدهر عليها وشرب ولا تتجاوز كونها تقديرات استخباراتية محرّفة ممزوجة بالتحيز الأيديولوجي والاعتقاد بأن الأمنيات تطابق الواقع، قام مؤيدو الحرب بإبراز حجة إنسانية لاحقة وليست سابقة، وفيها يقولون إنهم فعلوا فعلتهم تلك لإنقاذ العراقيين من صدام حسين·!
وقد عبرت إدارة بوش بكل وضوح قبل الحرب بوقت قصير عن حجة عامة تبرر انتهاك القانون الدولي حيث ادعت لنفسها الحق بشن هجوم استباقي على البلدان التي تعتبرها واشنطن مصادر محتملة للتهديد· أما الإسرائيليون فإنهم يدعون منذ ذلك الحين الحق في تصفية ياسر عرفات؛ ومهما يكن عرفات ، فإنه في كل الأحوال يبقى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المعترف به في المحافل الدولية والمنتخب في انتخابات شرعية (جرت تحت إشراف دولي)· ويلاحظ المراقبون أن إسرائيل، على رغم أن الاغتيالات السياسية ليست شيئاً جديداً، هي أول دولة، منذ فترة الدولة الميروفينية التي سادت في القرن السادس الميلادي، تبادر إلى إعلان نيتها باغتيال زعيم أجنبي·
وفيما عدا الحكومات العربية، بدا أن قلة قليلة من السلطات الدولية أو الوطنية تعتبر الإعلان الإسرائيلي شيئاً يستحق التعليق، ذلك على رغم أن الكثيرين نصحوا إسرائيل بأن الفكرة سيئة من الناحية التكتيكية·
وحتى العقود القليلة الماضية من القرن الماضي، بقي المحافظون في المجتمع الغربي على معارضتهم للاغتيالات وللتدخلات العسكرية في البلدان الأجنبية لأنها تشكل تهديداً للنظام الدولي الذي يستند إلى مبدأ السيادة الوطنية المطلقة القديم(وهو المبدأ الذي جرى تبنيه لإنهاء حرب الثلاثين عاماً التي انخرط في أتونها البروتستانت والكاثوليك في القرن الـ16)·
أما الليبراليون واليساريون فقد عارضوا، كما يكشف التاريخ، القيام بالتدخلات العسكرية لأنها تعني كالعادة قيام قوى كبرى بفرض إرادتها على البلدان الصغيرة، ولأنها تشكل أيضاً انتهاكاً للقانون الدولي·
وقد أظهرت سلسلة الحروب اليوغوسلافية التي اندلعت في عقد التسعينيات الماضي أن الاحترام المطلق للسيادة الوطنية قد أطلق الحبل على الغارب للقوة المعتدية وأعطاها حرية التصرف على هواها وممارسة ما تشاء ضد الأمم التي تريد الاستقلال· وقد أعطى ذلك إجازة ورخصة لارتكاب الفظائع ما دامت في نطاق الشؤون الداخلية للدولة· (ولهذا السبب قامت الأمم المتحدة بعد ذلك بإنشاء محكمة جرائم الحرب في لاهاي)·
ومنذ ذلك الحين (وفي الواقع منذ أيام حرب بيافرا التي اندلعت في نيجيريا بين عام 1967 وعام 1970 في سياق محاولة انفصالية دينية وإثنية أخرى)، تشكل تيار قوي في الرأي الدولي يقدم حججاً تبرر تدخل المجتمع الدولي في حالات كهذه·
والسبب واضح هنا: فهل من الممكن السماح باستمرار الفظائع وعمليات الإبادة الجماعية والحروب الفظيعة، كالتي نشبت مؤخراً في غرب أفريقيا، دون المبادرة بالتدخل؟
لكن المشكلات هنا أيضاً على القدر ذاته من الوضوح: فما هو هذا المجتمع الدولي الذي سيتخذ قرارات كهذه؟ هيئة الأمم المتحدة؟ أم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ومنها الصين المحكومة بديكتاتورية حزبية وروسيا المحكومة بديمقراطية مريبة؟! كيف لا وأغلبية الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤلفة من ديكتاتوريات ومن دول أصيبت بالإخفاق·
ومن ذا الذي لديه استعداد لتنفيذ هكذا قرارات؟ وما تفسير التدخل في حالة بعينها دون الحالات الأخرى؟ (أي لماذا تتدخل الولايات المتحدة الأميركية في العراق وليس في ليبيريا؟) أليست الحصيلة المنطقية لهذا كله إعادة التدخلات الفوضوية الأنانية التي وضعت لها معاهدة ويستفاليا السلمية حداً ونهاية؟!
هنا تحجج المحافظون الجدد وغيرهم من مؤيدي إدارة الرئيس بوش بأن الولايات المتحدة الأميركية لديها أوراق اعتماد أفضل مما لدى الأمم المتحدة، وهي أوراق تخوّلها تقرير الشكل الواجب اتباعه لإدارة العالم· ثم تحوّل الانتصار في العراق إلى شيء بغيض كريه، في حين تاهت خريطة الطريق الخاصة بفلسطين ولم تحقق شيئاً·
وقد شن أيان بوروما وهو الكاتب المعروف بحساسيته هجوماً على الروائي الأميركي وكاتب المقالات غور فيدال ، في مقالة نشرتها مؤخراً صحيفة فاينانشال تايمز ؛ وقد أتى الهجوم بسبب رد فيدال على مطالبة بوروما بمعرفة كيف كان من الممكن أن يتم إنقاذ العراقيين من النظام الصدّامي المجرم دون الاستعانة بالقوات المسلحة الأميركية