يعتبر الاهتمام والعناية بالقوات التي تحت إمرة أي ضابط واجباً مقدساً. وينسحب هذا الواجب بشكل خاص على القائد الأعلى للجيش. غير أن القائد الحالي للجيش، جورج بوش، ضاعف حظوظ تعرض القوات التي أرسلها إلى العراق وأفغانستان للخطر. والواقع أنه حرص على الاهتمام بإدارته، وليس بالقوات. ولذلك تنبغي الإشارة إلى بوش متى تمت الإشارة إلى إهمال الواجب. الإهمال 1: سياسة بوش حول التعذيب تلحق الأذى بجنودنا. حيث استسلم الكونغرس الأسبوع الماضي لـ"برنامج" بوش حول "أساليب الاستنطاق البديلة" (أو التعذيب). وإذا كان بوش قد زعم الشهر الماضي "أننا لا نعذب"، فإن تأييده الحثيث للطرق القاسية التي ترقى إلى التعذيب يضاعف خطر تعرض جنودنا للتعذيب في حال أسروا –وهو احتمالٌ وارد وخطير في وقت ينزلق فيه العراق إلى حرب أهلية، وتسقط أفغانستان من جديد في الفوضى. علاوة على ذلك، فالتعذيب غير أخلاقي، وليس من القيم الأميركية. كما أنه مُضر بعلاقاتنا مع العالم، وغير قانوني مثلما حكمت بذلك المحكمة العليا في قضية حمدان ضد رامسفيلد في يونيو المنصرم. الإهمال 2: يعمل البيت الأبيض أيضاً على الدفع بإجراء تعديلات على قانون جرائم الحرب، وهو القانون الأميركي الذي اعتُمد في 1996 ويعاقب على "الخروقات الخطيرة" لقوانين الحرب مثل اتفاقيات جنيف. ولما كان من شأن مشروع القانون المراجع أن يطبق بأثر رجعي إلى عام 1997، يحاول البيت الأبيض بطبيعة الحال النأي بنفسه عن مسؤولية جرائم الحرب، مثل استعماله للتعذيب في الحرب على الإرهاب. ونتيجة لذلك، يوجد الرئيس بوش، الذي أدى القسم للدفاع عن القانون، في موقع الدفاع اليوم ويدعو إلى إعادة صياغته. لكن ما هي تداعيات حالات الإهمال هذه على جنودنا؟ الواقع أنه في حال أُسر بعضهم وعُذب، فإنه لن تكون أمام قائدهم الأعلى أي مسوغات -قانونية أو أخلاقية- للاحتجاج أو البحث عن الإنصاف. يأتي هذا من رئيس يتبنى "قيما أخلاقية" وما انفك يحثنا على "دعم القوات الأميركية"؟ يعترض بوش بشكل خاص على بند "الكرامة" من الفصل الثالث المشترك من اتفاقيات جنيف، التي تحظر "المس بالكرامة الشخصية". وبدعوى أنه "فضفاض وغامض"، سعى بوش إلى رفض إدراجه ضمن قانون جرائم الحرب، تاركاً للمستنطقين حرية أكبر في التعامل مع المعتقلين، وهي صلاحية قد يتم استغلالها بالنظر إلى دخول إدارته في سجالات سابقة حول ما إن كان فشل الأعضاء، بل وحتى الموت، يمكن أن ينطبق عليه وصف "المعاملة غير الإنسانية، أو الحاطة من الكرامة، أو القاسية". والحال أن معنى الكرامة واضح لا لبس فيه. وقد وجد له المستشار القانوني السابق للجيش الأميركي "جيفري كورن" الكلمات الصحيحة لوصفه في حوار صحفي أجري معه مؤخراً "أنْ تُعامل الناس كبشر، وليس كحيوانات أو أشياء". أما في ما يخص "الغموض"، فيقول رئيس "المعهد الوطني للعدالة العسكرية" يوجين فيديل: إنه لطالما عمل القانون على نحو جيد بالمفاهيم الواسعة والعبارات الفضفاضة من قبيل: "تصرف لا يليق بالضباط" و"إهمال الواجب". يا له من خريف أخلاقي لبلادنا! لنتأمل الجنود، وأرواحهم وحياتهم. ولنتخيل شعور أحد جنودنا ممن قد يتم أسرُهم. سوف يتوقع عملاً انتقامياً وثأرياً، لأنه يدرك ما ارتكبه الأميركيون من جرائم في سجن "أبوغريب"، مع ما يعنيه ذلك من تحطم كل الآمال في معاملته معاملة إنسانية لائقة. قد يجادل أولئك الذين يدافعون عن الحاجة إلى التعذيب بأن كشف مؤامرة تهدد أرواح جنودنا أمرٌ مبرر. غير أنه من جهة أخرى، فإن جيشنا مسرور حسبما يقال بأن يكون خارج عملية التعذيب. وفي هذا الإطار، يقول "جون كيمونز" خلال إصدار مقرر الجيش الجديد "لا يمكن لأي معلومات استخباراتية جيدة أن تأتي عن طريق الممارسات القاسية؛ وأعتقد أن التاريخ قد علمنا ذلك". (يذكر أن بوش قام بنقل خيار التعذيب إلى وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"). ومن الحجج الأخرى التي يقدمها المدافعون عن التعذيب القول إن القوانين تصبح عديمة الفائدة في مكان مثل العراق، حيث قطعُ الرقاب أمرٌ منتشر. ولكن ما الذي يربحه التعذيب في هذا "النوع الجديد من الحرب"؟ فالفوضى زائد الفوضى لا تساوي إلا المزيد من الفوضى. أما بالنسبة لجندي يتم أسره، فإن الفوضى زائد الحماية التي توفرها قوانين الحرب، وإن كانت "غامضة"، تساوي الأمل. لقد تم تبني اتفاقيات جنيف الأولى، التي صيغت لاحتواء أعمال الحرب الوحشية، عام 1864 بهدف حماية الجرحى في الميدان. وإضافة إلى بند "الكرامة"، فإن الفصل المشترك الثالث، الذي أضيف عام 1949، يحظر "العنف الذي يستهدف الحياة والشخص، وخصوصاً القتل بجميع أنواعه، وبتر الأعضاء، والمعاملة الوحشية"، بل وحتى "الإهانات والفضول العمومي". ولترسيخها كلها ثمة مصطلح من كلمتين هما "الاحترام" و"الإنساني". ونظراً لـ"هذا النوع الجديد من الحرب" اليوم والحاجة المستمرة إلى الاحترام والمعاملة الإنسانية، يجوز التساؤل: ألم يحن الوقت لاتفاقية أخرى؟ يقول الجنرال المتقاعد كولن باول إن إعادة تعريف الفصل المشترك الثالث من شأنه أن "يعرض جنودنا للخطر". وخلافاً لبوش، يشدد باول على "الالتزامات الأخلاقية تجاه أولئك الذين نحتجزهم". والواقع أن بوش أقر بالتعذيب في وقت سابق، حيث قال في أواخر مايو المنصرم إن "أبوغريب" كان "أكبر خطأ" في حربه في العراق، مضيفاً "ولقد دفعنا ثمن ذلك لفترة طويلة من الوقت". والحال أننا نعلم اليوم ما الذي كان يقصده بوش بـ"نحن" و"دفعنا". أيها الجنود، اعتنوا بأنفسكم. كارلا سيكويست ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة مسرحية أميركية، ومؤلفة كتاب "من يهتم؟ محادثات واشنطن- سراييفو" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"